ورد نص "المرافعة" في كتاب أثيناغوراس الفيلسوف الأثيني
ترجمة مارك ألفونس
إصدار مدرسة الأسكندرية (صفحة 56- 121)
انتشرت الشائعات حول المسيحيين، فكتب أثيناغوراس المدافع والفيلسوف دفاعًا وجهه إلى الإمبراطور ماركوس أوريليوس وابنه ليدافع فيه عن التُهم الموجهة للمسيحيين والمسيحية. يلخص أثيناغوراس هذه التهم في (المرافعة 3)، وهي كالتالي: 1- المسيحيين بلا إله (ملاحدة)، 2- المسيحيون يصنعون ولائم تؤكل فيها لحوم البشر. 3- المسيحيون يصنعون ولائم إباحية.
ترجمة مارك ألفونس
إصدار مدرسة الأسكندرية (صفحة 56- 121)
انتشرت الشائعات حول المسيحيين، فكتب أثيناغوراس المدافع والفيلسوف دفاعًا وجهه إلى الإمبراطور ماركوس أوريليوس وابنه ليدافع فيه عن التُهم الموجهة للمسيحيين والمسيحية. يلخص أثيناغوراس هذه التهم في (المرافعة 3)، وهي كالتالي: 1- المسيحيين بلا إله (ملاحدة)، 2- المسيحيون يصنعون ولائم تؤكل فيها لحوم البشر. 3- المسيحيون يصنعون ولائم إباحية.
في البداية يلتمس
أثيناغوراس من الأمبراطور أن يحظى المسيحيون بمعاملة مثل بقية الشعوب الأخرى تحت
الإمبراطورية من جهة حقهم في ممارسة عباداتهم كما يرون- وألا يحاكموا فقط لأجل أن
اسمهم ”مسيحيين“، ويقول: ”الأسماء لا تستحق الكراهية بل بالحري ما يستحق العقوبة
والجزاء هو السلوك غير القويم.“ (مُر 1- اختصار مرافعة فصل 1) ويشرح كيف أن هذه
التهم ظالمة وغير منطقية وناتجة ”عن حديث شعبي يشوبه التسرع وعدم التحقق“ (مُر 2)،
ويطالب بأن لا ”نحاكم من منطلق الكراهية.. لأجل أننا نُدعى مسيحيين بل أن نحاكم
لأي شيء قد يقدمه أي أحد ضدنا“ (مُر 2)، ولو إحنا عملنا أي جريمة ”لتُفحص حياة
المتهمين جيدًا، ولكن مع إخراج الاسم خارج قفص الاتهام“ (مُر 2).
للرد على تهمة
أن المسيحيين بلا إله (ملاحدة):
1- يقتبس
أثيناغوراس من فلاسفة ومفكرين يونانيين أقوال لهم عن وحدانية الله، مثل أفلاطون، ،
وأرسطو، وسوفوكليس، فيلولأوس، ليسُس وبسيموس (مُر 6). ومع ذلك لا يُحاكم أفلاطون
وأرسطو لتصورهم عن الإله الواحد. ”إذن فلا نحن أيضًا ملحدون. لأننا نعترف ونتمسك
بقوة بأن الله هو منَ صنع جميع الأشياء بكلمته وهو ضابط الكل بروحه.“ (مُر 6)
ويقول إن هؤلاء- يقصد الفلاسفة- ”يمكنهم التعبير بالقول والكتابة عما يشاؤون في
الأمور اللاهوتية دون خوف من العقاب، ولكن الأمر معنا يختلف؛ فالقانون يقف
أمامنا....“ (مُر 7).
2- يثبت
أثيناغوراس منطقيًا وجود مبدأ واحد أو أصل واحد للكون.. تظهر في ذلك قدرته على
استخدام قواعد المنطق.
3- يؤكد على
أن المسيحيين يميزون بين الخالق والمخلوق، بعكس اليونانيين. فلا يقدمون ذبائح لا
يحتاجها الله؟ (مُر 13). في نفس الوقت نفصل بين المادة والله.. فلا نعبد آلهة من
الحجر أو الخشب أو الذهب..إلخ (مُر 15). فالمادة والله منفصلان كانفصال صاحب
الحرفة عن المواد التي يستخدمها في حرفته (مُر15). وكانفصال الخزاف عن الطين. ”نحن
نعتبر عميان بالإله الحقيقي إذ أننا نساوي الأشياء الفانية الهشة بالسرمدي.“ (مُر
15). كذلك يجب الانبهار بالقصر أكثر من صاحب القصر. (مُر 16). أو هل يحترم العالم الآلة
الموسيقية أكثر من العازف عليها؟!! ”نحن لا نذهب لنعشق العجائب بل صانعها وسيدها.“
4- يستغل
أثيناغوراس التناقض بين اليونانيين أنفسهم ”فهم أنفسهمم مختلفون فيما بينهم في أمر
الآلهة“ (مُر 14). كل بلد بتعبد آلهة مختلفة. ”فإذا كانوا يختلفون بينهم فيما يخص
آلهتهم، فلماذا إذًا يكيلون لنا الاتهامات لا لشيء سوى أننا لا نتفق معهم.“ (مُر
14). وبعد أن يسرد آلهة مختلفة تُعبد في
مدن مختلفة، يستخلص الآتي: ”إن كنا حينئذٍ بلا إله لأننا لا ننضم إليهم في
العبادة، إذًا فجميع المدن وجميع الأمم بلا إله لأن جميعها لا تعترف بنفس الكائنات
كآلهة“ (مُر 14). وإذا عرفنا أن الامبراطورية تسمح بهذه التعددية، نتأكد من التحيز
والمحاباة ضد المسيحيين.
5- يثبت
أثيناغوراس أن الآلهة هي أيضًا متغيرة وبالتالي فانها فانية ومِن صنع البشر. (مُر
16).
6- يثبت
أثيناغوراس أن صناعة التماثيل حديثة العهد، ”جاءت للوجود بالأمس“ (مُر 17) ويذكر
هومر وهسيود اللي هما اول مصدر للكلام عن أصل الآلهة. ويذكر تاريخ ظهور حرفة
النحت. وبالتالي يقول: ”لا يمكن لأي من هذه التماثيل أن يهرب من حقيقة صنعه على
أيدي البشر، ومن ثم فإن كان هؤلاء آلهة، فلماذا لم يوجودا منذ البدء؟ لماذا هم في
الحقيقة أصغر عمرًا ممن صنعهم؟ لماذا احتاجوا في الحقيقة إلى البشر ونتاج إبداعهم
من أجل أن يأتوا إلى الوجود؟!“ (مُر 17).
7- أثبت أن
الآلهة مولودة ولها بداية، وبالتالي لها نهاية، ومخلوقة من الماء.. حسب أساطيرهم.
(مُر 18). وبالتالي ”قد أتوا إلى الوجود في لحظة ما لم يكن لهم قبلها وجود“ (مُر
19). لكنّ الله هو الموجود دائمًا. ويقول ”في أي شيء تتفوق الآلهة على المادة إذا
كانت مكونة من الماء؟“ (مُر 19). ”لا شيء يأتي إلى الوجود يخلو من الفساد“ أو
(الفناء) والتحلل (مُر 20). والآلهة لها بداية وجود وبالتالي لها نهاية وجود؛ فهي
بذلك فانية.
8- يذكر أثيناغوراس
تاريخ الفظائع الأخلاقية المخجلة للآلهة. ويقول ”ماذا في مثل هذا التاريخ من نفع
أو فائدة“ (مُر 20)؛ فمنهم مَن اضطجع مع أمه أو أخته لأغراض بشرية وشهوانية بحتة،
ومنهم من انتحر مثل بروتيوس في النار، وبينهم قتال، وخيانة، ودماء.. إلخ.
9- يقول بوجود
تخيلات شعرية أو تفسير رمزي لهذه الآلهة، فمثلاً يقول إن جنون كرونوس هو تقلب فصول
السنة (مُر 22).
10- يقول إن
اليونانيين ألهوا الطبيعة وعناصر الطبيعة المتغيرة، وشبه ذلك بأنه زي الشخص الذي ”يجعل
السفينة التي أبحر فيها موضع القبطان! لكن كما أن السفينة وبالرغم من جاهزيتها بكل
شيء.. فإنها تصير بلا فائدة إن لم تحظَ بقبطان“ (مُر22)
11- بيقول إن
الإلهة في تحيزها للبعض وضد البعض الآخر؛ فهي تساعد البعض وتسبب الألم للبقية
الأخرى.. هذا لا يليق بالله الذي يجب أن صلاحه يعُم الجميع. (مُر 23)
12- يُظهر ضعف
آلهة اليونانيين، فمثلاً زيوس سرقه الكريتيون بعيدًا حتى لا يقتله أبوه.. ويقول
هكذا الإله أصغر أو أضعف من الكريتيين أنفسهم (مُر 23).
13- من خلال
دراسة تاريخية يقول بأن هؤلاء الآلهة كانوا حكامًا إمّا ألهوا أنفسهم بحكم طغيانهم،
أو لتبجيل بعض الشعوب لهم، ويقول إن اليونانيين أخذوا كثير من آلهة المصريين
(مُر27) اللي هم في الأصل كانوا حكام تم تأليههم امتنانًا لهم. ولا يغفل دور
الكهنة الذين كان عملهم هو ”إعطاء التماثيل مهابة البشر“ ثم مهابة الآلهة بعد ذلك.
14- يقول بأن
اليونانيين لا يقرأون قصص تاريخ الآلهة بشكل جيد، فهم يقبلون بعض الحكايات ويرفضون
البعض الآخر، مع أن هذه القصص على حد تعبير أثيناغوراس فيها ذكر عن ولادة الآلهة
وعن مقابرهم.. لكنهم لا يلتفتون إلى الجزء الأخير.
بالنسبة لتهمة
الولائم الإباحية، يقول:
1- إن
المسيحيين يلتزمون بوصية الإنجيل بألا ينظروا إلى امرأة بشهوة.
2- إن
المسيحيين يلتزمون بوصية مراعاة العدالة ”لأقربائنا كما لأنفسنا“ (مُر 32)،
ويعتبرون الآخرين إخوة واخوات لهم، فكيف
يحدث هذا التعدي! ”إننا نهتم على نحو فائق بأن تظل أجسادهم بلا انتهاك أو فساد“
(مُر 32).
3- المسيحيون
ملتزمون بإنجاب الأطفال ”كمقياس لانغماسنا في الرغبة الجنسية“ (مُر 33)، وهناك
كثيرون ممكن يشيخون بلا زواج، ويبقون في عذرية وحرمان للذات، ويرفضون الطلاق. ويرى
أثنياغوراس أن الزواج الثاني هو ”زنا حسن المظهر“ (مُر 33). إلى هذا الحد يحترمون
العلاقة الزوجية والجنسية.
بالنسبة لتهمة
ولائم أكل لحوم البشر، يقول:
1- في (مُر
35) يقول لا يوجد شهود على ذلك.
2- المسيحيون
لا يتحملون رؤية إعدام إنسان (حتى بعد محاكمة عادلة).
3- المسيحيون
لا يحضرون العروض القتالية أو القتال مع الوحوش المفترسة.
4- المسيحيون
يرفضون الإجهاض باستخدام العقاقير.. ”فبأي مبدأ إذن نرتكب نحن القتل؟! لا يمكن أن
يكون نفس الشخص الذي يعتبر الجنين في الرحم ككائن مخلوق وبالتلي فهو محط عناية
الله، هو نفسه من يقتله حينما يعبر إلى الحياة“.
5- الأروع من
هذا، أن المسيحيين يعتبرون هجر الطفل بمثابة قتل له.
6- وفي (مُر
36) يضيف سببًا آخر أنه مفيش حد يؤمن بقيامة الأجساد يكون بياكل الأجساد البشرية،
وكأنها لن تقوم ثانية. لأن ”الأرض تسلِّم موتاها. فهل يتوقع من يأكل لحوم البشر
أنه لن يُطلب منه أن يُسلم الموتى الذين دفنهم داخل نفسه.“
7- ولو
اتهمتونا بالحماقة؛ لأنكم شايفين القيامة دي خرافة، على الأقل مش بنأذي حد.
على هامش
المرافعة:
في هذا النص
وجدت ما يُشبه نظرية في الوحي يمكن أن نسميها عزف الروح القدس على الأنبياء كآلة موسيقية.
يقول أثيناغوراس ”سيكون من اللاعقلانية أن نهجر الإيمان بروح الله التي (لا أعرف
لماذا لم تُترجم الذي) تحرك شفاه الأنبياء كآلات موسيقية، وفي نفس الوقت نولي اهتمامنا لمعتقدات بشرية مخضة“ (مُر 7). وفي
موضع آخر: ”لستم تجهلون موسى أو إشعياء وإرميا والأنبياء الآخرين الذين نقلوا لنا
خلال كتاباتهم الأشياء التي أوحوا بها منتشين فوق العمليات العقلية الطبيعية
بواسطة نبضات الروح الإلهي جاعلاً الروح إياهم كالمزمار ينفخ فيه عازفه (يقصد
الروح).“ (مُر 9).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق