الاثنين، 10 سبتمبر 2018

تفسير سفر حجي- ق كيرلس السكندري




قراءة في كتاب شرح سفر حجي
للقديس كيرلس السكندري
ترجمة د. جورج عوض، ومراجعة د. نصحي عبد الشهيد
إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية
في 48 صفحة من القطع الصغير

يقدم ق كيرلس السكندري شرحًا لسفر حجي، وهو نبي ولد في سبي بابل، وخدم في بداية العودة من السبي، بعد سماح داريوس الملك لهم بذلك. الموضوع الرئيسي للسفر هو حث العائدين من السبي لإعادة بناء الهيكل، وترك اهتمامهم ببيوتهم الخاصة، وتكاسلهم تجاه بيت الرب، واعذارهم الواهية. كانوا يقولون لم يأتِ الوقت بعد لبناء بيت الرب، فكانت كلمة الرب على يد حجي بأنه وهل أتى الوقت لبناء بيوتكم المزينة؟! لذلك أصابتهم الكوارث وقلت البركة في بيوتهم وحقولهم، وصار كيس الأجرة كأنه مثقوب، والأكل إلى عدم الشبع.
قدّم ق كيرلس شرحًا تاريخيًا مباشرًا لهذه الأحداث، ثم يقول: إذ قد توفر لدينا شرح تاريخي كافٍ، لننقل ذهننا إلى الرؤى الروحية (ص17)، أو ما يسميه في موضع آخر بالمعنى الروحي. وفي عبارة بليغة تلخص المنهج التفسيري للقديس كيرلس يقول: ”دعونا نفحص ما حدث لليهود من منطلق مثال واضح جدًا للتدبير الشامل والعام الذي تحقق بواسطة المسيح“ (ص17).
فهو يرى في سبي اليهود سبي البشرية لسلطان إبليس، لكن المسيح فداها وحررها، ”فتركنا أرض الأعداء، ورجعنا إلى صهيون العقلية التي هي الكنيسة“. هذه هي القراءة المسيحية للعهد القديم في نظر كيرلس السكندري، أو ما يُسمى بالقراءة المسيحيانية Christo-centric.
ثم يقول إن شخص المسيح يُقدَّم من خلال شخصيتي زربابل ويهوشع الكاهن. زربابل والمسيح كلاهما من سبط يهوذا وكلاهما ملك على إسرائيل (ص18). زربابل معناها ”سيل متدفق“ والمسيح هو ”سيل السلام“ الذي سكب علينا غناه. أبوه شلتائيل، ومعناه ”دعوة الرب“، والمسيح دعانا ودعى الأمم. يتابع ق كيرلس الشرح مستخدمًا الاشتقاق اللغوي etymology للأسماء. فيقول أن يهوشع معناها ”يهوه الخلاص“، وهكذا المسيح صار لنا خلاصًا (1كو1: 30). وأبوه يهوصاداق معناه ”يهوه البر“، ونحن تبررنا بواسطة الإيمان. خلينا نقول إننا ممكن نعترض على جزء من التفسير ده لأن زربابل مكنش ملك، كان والي. لكن كيرلس وثيؤدور الموبسويستي رأوا زربابل كملك، وآخرون زي جيروم شافوه والي، اللي هو كمان شاف أن زربابل معناها ”فرع بابل“ وليس ”سيل متدفق“.[1] لكن فكرة ق كيرلس واضحة تمامًا.
رأى ق كيرلس أن تقاعس اليهود الراجعين من السبي عن بناء الهيكل رمز لعدم انضمامهم في كنيسة العهد الجديد. كما رأى في استعداد داريوس المادي ومساعدته استعداد الامم للدخول إلى الإيمان. من ناحية تانية قدم تفسير روحي بأن الهيكل هو أنفسنا، وتقاعس اليهود، هو ذاته تقاعسنا عن محاربة الشهوات، وعدم البركة هو نوع من التصحر العقلي (ص22).
يصحح ق كيرلس فهمًا مغلوطًا في زمانه عن أن حجي هو ملاك وليس إنسان، بالرجوع مرة أخرى لمعنى كلمة ”ملاك“ لأنها تعني أيضًا ”رسول“. ويقول من الغباء أن نعتبر حجي ملاك، ”لكنه دعي ملاك (أو رسول) من أجل الخبر الذي ينقله“. ويقول لو اتبعنا هذا التفسير لكان الخدام الذين نقلوا الأخبار السيئة لأيوب هم ايضًا ملائكة. نفس الشيء ممكن نطبقه على نبؤة ملاخي عن يوحنا المعمدان ووصفه ليوحنا بأنه ملاك، والمقصود رسول ينقل رسالة.
يخدم ق كيرلس استراتيجيته التفسيرية مع الآية التي تقول إن ”مجد البيت الأخير سكون أعظم من مجد الأول“، وييقول أن الهيكل أيام المسيح سيكون أعظم، لماذا؟ سيكون ”أسمى بقدر ما تختلف عبادة الناموس عن عبادة المسيح والأنجيل“ يعني إيه؟ ”بقدر ما تختلف الحقيقة عن الظلال“ (ص 34). كذلك ق كيرلس مثل آباء آخرين رأوا أن الناموس لا يُفهم حرفيًا؛ فهو يفسر التنجس بلمس الميت بأن الميت هذا هو مثال الأعمال الميتة والنجاسة العالمية.
نأتي لجزء هام هو تعليقه على حج 2: 20- 22، ”كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ وَالِي يَهُوذَا قَائِلاً: إِنِّي أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَقْلِبُ كُرْسِيَّ الْمَمَالِكِ، وَأُبِيدُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الأُمَمِ، وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَالرَّاكِبِينَ فِيهَا، وَيَنْحَطُّ الْخَيْلُ وَرَاكِبُوهَا، كُلٌّ مِنْهَا بِسَيْفِ أَخِيهِفِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، آخُذُكَ يَا زَرُبَّابِلُ عَبْدِي ابْنُ شَأَلْتِيئِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ، لأَنِّي قَدِ اخْتَرْتُكَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ“،  إذ يقول إن هذا حديث على مستوى فداء المسيح، "كما برمز وظل". الآيات بتتكلم عن حجي النبي اللي بيروح لزربابل ويقوله ستحدث زلزلة وسيسحق ملوك. ثم يقول ق كيرلس بهذه الأقوال يريد أن يُظهر لنا الشرور والقوات التي أُبطلت بواسطة مخلصنا، والرؤساء التي هزمت بواسطة صليبه (ص 46). هذا التفسير هذه المرة لنبؤة عن المسيح يعتبر تفسير وجيه عندما نعرف أن كرسي زربابل لم يرتفع  ولم تتحقق هذه التنبؤات في شخص زربابل، بسبب موجة ارتداد كبيرة حدثت بعد الرجوع من السبي.
في الآيات السابقة يعزز ق كيرلس من تفسيره بالتركيز على كلمة ”خاتم“، وهو يشير في رأيي إلى عب 1: 3 التي تقول إن المسيح هو ”بهاء مجده، ورسم  χαρακτρ جوهره“. لأن كلمة رسم تعني خاتم أو الختم الذي يطبع صورة طبق الأصل مما يدل على التطابق في الجوهر.    



[1] Cyril of Alexandria, Commentary on the Twelve Prophets, vol 3, translated by Robert C. Hill,  p. 64. Footnote no: 1.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق