رواية The Shack
لماذا يعشقها
البعض ويرفضها البعض الآخر؟
ملخص الفيلم
أبٌ يُدعى
ماكنزي مكلومٌ على ابنته الصغيرة "ميسي" التي خُطفت وقتلت بواسطة قاتل
مجهول، ولم يتمكن من العثور على جثتها. بعدها يواجه الأب أزمة إيمانية ومرارة تجاه
الله، وتصله دعوة عبر البريد بأن يذهب إلى الكوخ the shack، الذي وجدوا
فيه فستان ابنته الأحمر الجميل ملطخًا بالدم. يظن ماكينزي أن هذه الرسالة قد تكون
نكتة سخيفة، أو استدراج من القاتل له، أو من الله. في النهاية يقرر الذهاب إلى
الكوخ، وهناك يتقابل مع ثلاثي غريب، هم ثلاثة اشخاص أو أقانيم الثالوث: الآب في
شكل امرأة افريقية سمراء ممتلئة تسمى "بابا- Papa" وهو
اللقب المفضل لزوجته عن الله، والابن في صورة شاب ثلاثيني يعمل بالنجارة، والروح
القدس في شكل أنثى ذات ملامح شرق أسيوية.
في هذه المقابلة
يسأل ماكنزي الله (بابا) لماذا سمح بقتل ابنته، ويقول له: إن كنت كلي القدرة
وموجود في كل مكان، فلماذا تخليت عن ميسي؟ وهي تقول له لم أتخلى عنها لحظة، لكن ألمك
يحجب رؤيتك لي بشكل صحيح. لكن الرجل في مرارة نفسه يقول لها: "يبدو أن لديك
عادة سيئة في التخلي عن الذين من المفترض أن تحبيهم". وهو يلمح للابن، يسوع
المسيح، الذي صرخ على الصليب: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ لكنه يجيب: لقد أسأت فهم
السر!
لماذا يعشق
البعض هذه الرواية؟
-
لأنها تصور الحب والتناغم بين الأقانيم، والجمال والانسجام
الذي يعيشون فيه، فهم يفرحون ويرقصون معًا.
-
لأنها لا تصور الله بعيدًا عن آلامنا حتى إن أقر بأنه
ليس صانع الشر. فهو يعرف كل تفاصيل حياتنا.
-
لأنها تصور الله مهتمًا بشفائنا الداخلي، وأنه يتقابل
معنا في أكثر أماكن الوجع (الكوخ بالنسبة لبطل القصة)
- لأنها تصور قدرة الغفران على تحريرنا وشفائنا. في
النهاية سامح ماكنزي أبوه اللي كان بيضربه، وسامح القاتل، وسامح ربنا، وقاله
"كنت قاسي عليك جدًا".
- لأنها تصور كراهية الله للخطية وعدم كراهيته للخطاة،
واهتمام قلب الله بأبنائه.. كل أبنائه.. الجيدين والسيئين.
- يقدم شرحًا جيدًا مشابه لسفر أيوب عن حكمة الله
اللامتناهية التي تستوعب كل الأشياء والحوادث بشكل يفوق أذهاننا. وما نراه فوضى في
حياتنا يمثل تناسق في الخطة الأكبر، وهذا يلمح له المخرج بشكل صامت من خلال ارتفاع
الكاميرا على الحديقة المملوءة بالورورد المتشابكة.
أمّا الأمور
التي دعت البعض لمهاجمة الرواية أو الفيلم فهي ما يلي:
الله: ذكر أم
أنثى؟
الشيء الواضح
والصادم للبعض في الفيلم او الرواية هو تصوير الآب بامرأة سمراء ممتلئة، وكذلك
الروح القدس، الشيء الذي يرونه متعارضًا مع الكتاب المقدس، واللاهوت التقليدي.
وبرغم أن السبب في ذلك قد قيل لماكنزي بأن علاقته بوالده كانت سيئة وبالتالي كان
سيجد صعوبة لو ظهر له في شكل رجل. وبرغم أن الآب ظهر في الفيلم أيضًا في صورة رجل
كبير في السن، يتحرك بصعوبة!، عندما ساعد ماكنزي على الغفران لقاتل ابنته والعثور
على جثة ابنته، وتكفينها. لكن هذا لم يرضي منتقدي تصوير الله كأنثى.
الموقف التقليدي
يلخصه لنا "بيتر كريفت" في كتابه "فلسفة يسوع" (The Philosophy of Jesus) كالتالي:
"من بين كل الآلهة القديمة إله اليهود دائمًا
"هو" وليس "هي" (وليس it محايد أو
مهجن)؛ لأن "هي" ترمز إلى شيء محايث[1] immanent بينما
"هو" يرمز إلى شيء مفارق أو منّزه transcendent.
"هي".. هي رحم كل الأشياء، لكن "هو".. هو شيء آخر غير أمنا
الأرض. لذلك في اليهودية فقط لا وجود لآلهات أو كاهنات. لأن الكهنة يتوسطون ليس
فقط بين الإنسان والله، ولكن بين الله والإنسان أيضًا. والنساء بمقدورهن أن يمثلن
الإنسان أمام الله بنفس القدر من قدرة الرجال على ذلك؛ لأن النساء متساوون مع
الرجال، ولهم نفس القيمة والصلاح والتقوى. لكن النساء لا يقدرن أن يمثلن الله أمام
الإنسان، لأن الله ليس أمنا، ولكنه أبونا. الأرض هي أمنا."[2]
هذا هو الموقف
التقليدي بشكل عام، حتى وإن كان الله فوق مسألة الجنس أو الجندر، لكنه يُخاطب بهو
وليس بهي. نقول له كما علمنا المسيح "يا أبانا" وليس "يا
أمنا". وبشكل عام لا يخرج آباء الكنيسة عن هذا، وربما لم أجد سوى ق جيروم في
جرأة يقول الآتي عن الروح القدس: "الروح القدس في العبري بالمؤنث (ruach) وفي
اليوناني بالمحايد (to pnuema) وفي الاتينية بالمذكر (spiritus)." يشرح
ق جيروم أن الكتاب حين يقول عن الروح القدس بالمذكر أو المؤنث فهذا من صفات اللغة،
لكن "الجنس لا ينطبق عليه".[3]
مرة أخرى يعتقد الكثيرون بمبدأ كفاية الكتاب المقدس، وطالما أن الكتاب أعلن عن
الله بالمذكر، فلابد أن نلتزم بهذا، ولا نخترع شيئًا من عندياتنا.
تنزيه الله
ينتقد البعض
الفيلم أو الرواية لأنها تركز على قرب الله من خليقته بدرجة كبيرة، وهذا ليس خطأً،
لكنها تهمل الجزء التنزيهي في الله. مرة أخرى التركيز على المحايثة immanence وإهمال
التنزيه transcendence. فمقابلة ماكنزي لم يتضمنها أي رهبة مع
الله، بل العكس قد يتفوه ماكينزي بألفاظ نابية في محضر الله، بعكس الصورة
التقليدية التي نراها في الكتاب المقدس، مثل رؤية إشعياء وكيف طلب الويل لنفسه،
وموسى، ويوحنا الرائي حتى لدى رؤيته ملاك، وغيرهم.
اللاهوت
التقليدي يجمع بين محايثة الله وتنزيهه، ولا يهمل أحدهما على حساب الأخرى. الجدير
بالذكر أن الأريوسية مثلاً كانت تركز على تنزيه الله وعدم قدرته على الاتصال
بالبشر إلا من خلال وسيط أدنى منه هو الابن، لكن الفيلم يركز على محايثة الله
ويهمل تنزيهه، لذلك يبدو الله ودودًا لا يشكل أي تهديد ولا تحيطه أي مظاهر الرهبة
أو العظمة، فمثلاً (الآب) يخبز الخبز ويعد الإفطار، والروح القدس يزرع في الأرض.
وإن كانت هذه المشاهد قد داعبت خيال القراء أو المشاهدين.
مؤلمو الآب patripassianism
عندما يتهم
ماكنزي الله بالتخلي عن الابن على الصليب، يقول الآب (بابا) أنه لم يتركه أبدًا..
وتظهر على يديه علامات المسامير، ويقول "أنا وهو كنا هناك" والإشارة إلى
الصليب. بالطبع هذا يعتبر هرطقة في تاريخ المسيحية، الآب لم يُصلب ولم يتألم، لكن
الابن هو الذي صلب وتألم بالجسد على الصليب. هذه البدعة مرتبطة أيضًا ببدعة
السابيلية اللي بتضيَّع التمايز بين الأقانيم، وبتعتبرهم شيء واحد له 3 أشكال. لكن
الفيلم لم يُشر إلى هذا إطلاقًا. العلامة ترتليان يؤكد أن صرخة إلهي إلهي لماذا
تركتني هي دليل على عدم قابلية الآب للتألم (ضد براكسياس 30).[4]
في الرواية بيقول
الكاتب عن الثلاثة اقانيم أنهم يصبحون "لحمًا ودمًا"،[5]
وهذا مخالف للإعلان الإلهي للإنجيل اللي بيقول إن الآب هو اللي ارسل ابنه ليتجسد
(1يو 4: 9- 10)، والكلمة صار جسدًا (يو 1) وليس أي أقنوم آخر.
الخلاص الشامل universalism
وهنا نأتي إلى
نقطة خطيرة لها إشارات عديدة في الرواية أو الفيلم. في لقاء ماكنزي مع الابن، قال
له: "أنا أفضل طريق لمعرفة الله"، ومن رآني فقد رأى الآب. الجزء الثاني
صحيح، لكن كلمة "أفضل" بتقول إن في طرق أخرى شغالة وكويسة. في حين النص
الإنجيلي بيقول "أنا هو الطريق" وليس "أفضل طريق". وبيقول
أيضًا: "لَيْسَ
أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو 14: 6). كذلك أبو مكانزي اللي كان بيشرب خمرة وبيضربه هو وأمه..
في الآخر لاقيناه في السماء بدون تفسير واضح!
في حوار ماكنزي
مع الست الجميلة "الحكمة" بتقوله اختار واحد من عيالك يقضي معاك الأبدية
والتاني في جهنم. ماكنزي قالها مقدرش. لكنها قالتله: "أنا بطلب منك شيء أنت
بتعتقد أن الله بيعمله". في إشارة واضحة أن ربنا مش بيعمل كده. كاتب الرواية
عنده كتاب آخر بيقول فيه صراحة أن النار الأبدية هي "نار الحب.. وهي لصالحنا
وليس ضدنا". وبالتالي الكاتب لا يؤمن بجهنم بشكل واضح. ده نوع من هرطقة
الخلاص الشامل بتقول إن الناس هيقضوا زي مطهر وفي النهاية الجميع هيخلصوا بشكل أو بآخر.
الآيات الكتابية عن الدينونة الابدية مش محتاجة توضيح (ارجع إلى مت 25: ، 41، 46؛
2بط2: 4؛ 2تس 1: 9؛ رؤ19: 20، 20: 10).
في الرواية
بيقول لماكنزي: "الدينونة ليست
للهلاك وإنما لاستعادة كل شيء لأصله"[6]
هذا الرأي بالضبط منسوب للعلامة أوريجانوس تحت اسم apokatastasis أو الاستعادة الكلية.. كل شيء سيرجع لأصله، ولا وجود لعقوبة
أبدية. بعض الناس يتحججون، ومن بينهم الكاتب نفسه في مداخلاته في البرامج، بآية 2كو
15: 19 التي تقول: "إنَّ اللهَ كَانَ فِي
الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ
خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ". البدعة دي بتقول
إن المسيح دفع أجرة الخطية مرة واحدة وبشكل قانوني وبالتالي مش من حق الدائن أنه
يطالب بالعقوبة مرة أخرى.. فخلاص مفيش عقوبة. لكن لو قريت الآية اللي بعدها على
طول هتلاقي بولس بيقول نسعى عنه كسفراء” نَطْلُبُ
عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ" صحيح ذبيحة المسيح تكفي كل البشر، لكن الأشخاص
لازم يقبلوها.. وإلا ما كانت الحاجة إلى كرازة أو نداء للتصالح مع الله.
هل الله يغضب؟
في الفيلم بتقول
بابا أنه مش بيعاقب على خطية، لأن الخطية بتتضمن العقاب في ذاتها. لكننا نجد نصوص
كتابية كثيرة تؤكد على أن الله يعاقب عن الشر: فمثلاً: سدوم وعمورة لم يتركهم
لخطيتهم، بل عاقبهم بالنار والكبريت.. نفس الشيء الطوفان. صحيح ربنا بطيء الغضب
وطويل الأناة، لكنه لا يترك الخطية بلا عقاب. وفي إش 13: 11 بيقول "وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى
شَرِّهَا"، في إش
26: 21 يقول: "أَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ
مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ".
المؤسسة الكنسية
واللاطائفية
فضلاً عن أن
يسوع نفسه بيقوله "أنا مش مسيحي"، وأن المسيح ليه ناس من كل الأنواع
والطوائف والديانات، بوذيين ومسلمين، ويهود، لكنه "غير مهتم أنه يحولهم
مسيحيين". المهم عنده الصداقة والشركة مع الآب. عجبني رأي أحد الأشخاص اللي
قال حتى الصداقة بيبقى ليها حدود ومعالم واضحة structure ومش متسابه
على البحري. يعني مش واضح لدى الكاتب هل يقصد هلؤلاء يظلوا على ديانتهم، أم ضروري
أنهم يكونوا مسيحيين.. وحقيقيين بالطبع.
الرواية بتقول
يسوع لم ولن يخلق المؤسسات بما فيها الكنيسة والزواج![7]
ودي حاجة غريبة، لأن المسيح هو اللي أسس الكنيسة (مت 16: 18)، على أساس الرسل
(أف2: 20)، وفي تنظيمات خاصة بالحياة الكنسية الإدارية بنلاقيها في (1كو 11- 14)،
وفي تعيين ووظائف كهنوتية وشروطها بنلاقيها في 1تي 3 على سبيل المثال.
توصيات لمن يقرأ
الرواية أو يشاهد الفيلم:
1- قراءة أي
كتاب تتطلب فضيلة الإفراز.. الشكل الروائي مع الحبكة الدرامية بيمزج الحقائق
الكتابية ببعض المفاهيم الغلط بشكل يصعب فصله. لذلك يحتاج الأمر لنضج وإفراز
كبيرين.
2- بعض الناس
عندهم الحكمة دي هيستفادوا بالحاجات الحلوة اللي في الرواية لكن المشكلة مع الشباب
اللي معرفته قليلة بالكتاب المقدس والعقيدة السليمة، هؤلاء بشكل غير إرادي ممكن
يعتبروا الرواية إنجيلهم اللي بيشكل نظرتهم عن الله والمسيح والفداء.
3- الرواية ممكن
تكون أداة جيدة لفتح حوار جيد وإيجابي عن معتقدتنا الأساسية.. لحد كده كويس بس بلاش
تبقى مرجع لينا في العقيدة.
[1] كلمة "المحايثة"
صعبة إلى حد ما، لكنها تعبر عن قدرة الله على التواصل مع خليقته والاقتراب منهم، وهي
في مقابل التنزيه. لم أجد ترجمة أسهل منها!
[3] خطابات القديس
جيروم، ج1، ترجمة ق يوحنا عطا، مدرسة الأسكندرية للدراسات المسيحية، خطاب 18، ج2،
فقرة 17، صفحة 207.
[5] “Even
though we have always been present in this created universe, we now became
flesh and blood”, p. 69 (e. edition)
مجهود اكثر من رائع.. سبق لى قراءة الرواية ومشاهدة الفيلم واود ان اعبر عن اعجابى الشديد بتفنيدهم واصطحابنا فى جولة ممتعة للتامل والتذوق بوعى كتابى سليم
ردحذفرائع كالعادة
ردحذفرائع :)
ردحذفتفنيد كتابي وابائي وادبي رائع . تحياتي
ردحذفشكرا لتعب حضرتك ...الله يعوضك خير
ردحذف