السبت، 24 فبراير 2018

النعمة والغضب في المفهوم الأرثوذكسي


في تدوينة لكاتب يُسمى [1]Dylan Pahman عن الغضب والنعمة والموقف الأرثوذكسي منهما، أقتبس الآتي: 
يقول الكاتب: كلمة النعمة في أصلها اليوناني مرتبطة بالفرح (Chara) وبالمحبة (Charitas)، بينما كلمة الغضب تعني السخط الشديد، وتُستخدم للتعبير عن غضب الآلهة الوثنية وكذلك الله في العهد القديم. ثم يقتبس من الفيلسوف الألماني ردولف أوتو ما يلي:
”قد نرى في الغضب نزوة وعاطفة متهورة. لكن هذه النظرة مرفوضة بالتمام من كل رجال الله في العهد القديم، إذ أنهم يرون غضب الله أبعد ما يكون عن أي انتقاص من ألوهيته، وإنما يظهر كتعبير طبيعي عنها، كعنصر من القداسة نفسها، ولا يمكن الاستغناء عنه.“
ثم ينتقد ردولف أوتو فريدريك شلايرماخر- لاهوتي بروستانتي- لأن الأخير يرفض وجود فكرة غضب الله في اللاهوت المسيحي. ويؤكد أن الأمر ليس له علاقة ببروستانت أو أورثوذكس، أو الشرق والغرب. المهم كلام ردولف أوتو بيربط غضب الله بقداسته وليس بنزوات غضب أو انفعالات متهورة. ثم يقتبس من الأب ألكسندر شميمن، وهو لاهوتي أرثوذكسي، ما يلي:
”إن معرفة الله تؤدي إلى هذه الكلمة غير المدركة، والواضحة، والتي لا مفر منها في آن واحد: قدوس. في هذه الكلمة نعبّر عن أن الله مغاير تمامًا لنا، فهو الواحد الذي لا نعرف عنه شيئًا، وهو غاية كل أشواقنا، الواحد غير الموصوف الذي يحرك إرادتنا، الكنز السري الذي يجذبنا إليه. قدوس، هي كلمة الكنيسة، وأنشودتها، واستجابتها عندما تدخل السماء بينما تقف أمام المجد الإلهي السماوي.“
ثم يقدم الكاتب اقتباسًا لموقف ثالث، في منتهى الراديكالية، وفي الجهة المقابلة تمامًا لرفض فكرة غضب الله، لدى الواعظ البيوريتاني، جوناثان أدواردز، الذي يقول في عظته الشهيرة بعنوان ”خطاة بين بين يدي إله غاضب“ ما يلي:
”إن الله الذي يُمسك بك فوق حفرة جهنك، تمامًا مثلما يمسك المرء عنكبوتًا، أو أي حشرة كريهة فوق النار، هذا الإله يمقتك[2]، وغضبه مروعًا، وسخطع عليك يشتعل كنار. ينظر إليك فيراك لا تستحق شيئًا سوى أن تُطرح في النار. عيناه أطهر من أن تحتمل النظر إليك.. وأنت في عينيه أشد رجسًا (أو كراهة) ـاف مرة من أبشع أفعى سامة في أعيننا.“
ماذا سنختار؟ هل النظرة المتطرفة جدًا لغضب الله كالتي عند جوناثان إدواردز، أم إنكار غضب الله كليةً كما عند شلايرماخر؟ ثم يقتبس الكاتب من مكسيموس المعترف[3] ما يلي: 
”الله هو شمس البر.. وأشعة صلاحه السماوي تستطع على كل البشر على حدٍّ سواء. والنفس كالشمع إذا التصقت بالله، وكالخزف إذا التصقت بالمادة. وهذا يعتمد على إرادتها وقصدها. الخزف يتقسى في الشمس، بينما الشمع يلين. هكذا كل نفس تلتص بالعالم المادي، بالرغم من وصايا الله، تتقسى مثل الخزف، وتدفع بنفسها إلى الهلاك مثلما فعل فرعون (قارن خر 7: 13). أمّا كل نفس تلتصق بالله تلين مثل الشمع، وتتقبل طابع وختم الحقائق الإلهية، وتصبح ’مسكنًا لله في الروح‘ (أف 2: 22)“

هذه النظرة توفر خيارًا ثالثًا يتوسط موقف إدواردز وشلايرماخر؛ إذ يوفر إقرارًا بوجود الغضب الإلهي، مع الإقرار بمسؤولية الإنسان في أنه بسلوكه يذخر لنفسه غضب الله (رومية 2: 10). يؤكد هذا مقتبسًا من القديس أمبروسيوس قوله: ”الشرير عقوبة لنفسه، والبار نعمة لنفسه- ولكلاهما، سواء الصالح أو الطالح، فإن جزاء أفعاله يُدفع في نفس صاحبها.“ وكذلك يقتبس من سي إس لويس قوله: ”عند نهاية كل شيء سيقول المباركون لم نعش أبدًا إلا في السماء، وسيقول الضالون كنا دائمًا في جهنم، وكلاهما سيقول الصدق.“




[2] هناك بعض الترجمات على الأنترنت تترجم هذه العبارة، الله يمقت خطاياك، وليس يمقتك أنت، لكن الله يمقتك هي الترجمة الصحيحة.
[3] مكسيموس المعترف، أحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وأحد المدافعين عن إيمان مجمع خلقدونية. كانت له آراء لاهوتية مهمة، لكنه أُتهم اتهامات سياسية وبمباركة دخول العرب مصر وشمال أفريقيا، مما حكم عليه بالنفي وقطع لسانه ويده اليمنى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق