السبت، 17 فبراير 2018

الكتاب المقدس بلا رتوش



أشكر إلهي على النعمة المعطاة لأخي المهندس ديفيد ويصا.. لقد قرأت كتابه وتعلمت الكثير جدًا، وكذلك استمتعت بقراءته؛ فهو كتاب لا يسمح لك بأي نوع من التشتت، ومباشر إلى حد بعيد جدًا. ويبدو جليًا أخي الحبيب أنك اتبعت قدرًا كبيرًا من الحيادية في عرض محتويات الكتاب. ولكني أظنك تريد مني أن تسمع ملاحظاتي أكثر من هذا الإطراء لما عهدته فيك من شخصية باحثة دؤوبة وباحثة عن الحق باجتهاد ونزاهة. ولتسمح لي في أحشاء يسوع المسيح بإبداء بعض الملاحظات التي لا تنتقص من قيمة الكتاب بأي حال من الأحوال:
-    في صفحة 20، 21، قلتَ أنه في الإعلان العام من المحزن أن الخليقة عجماء، في حين أن المزمور يقول أن السماوات تحدث، والفلك يخبر، فإن شئت أن تعرف بأي لغة تتكلم؛ فهي لغة الرياضيات والهندسة وحساب المثلثات.. إلخ.
-     في صفحة 47، ربما يؤكد أكثر أن ألحنان البيتلحمي قد قتل ”أخا“ جليات شاهد آخر في 1أخ 20: 5، يقول بوضوح أن ألحنان هذا قتل أخا جليات وليس جليات..
-      في صفحة 50، 51، والحديث عما يُسمى ”الفاصلة اليوحانوية“.. ربما كنت أحب أن أتعلم كيف دخلت هذه العبارة إلى متن النص بعد أن كانت ملحوظة في الهامش (هذا أحد التفسيرات إن لم أكن مخطئًا). والجدير بالذكر أن الآباء في سجال الدفاع عن الثالوث في القرنين الرابع والخامس لم يستخدموا هذه الآية في الدفاع عن الثالوث أبدًا، مما يؤكد أنها أُضيفت في وقت متأخر.
-     في صفحة 62، عجبني ما قدمته عن مقاربة بيتر إنز، وفي صفحة 118 مقاربة هيرمان بافينك، ووجدتهما متشابهين لمقاربة توماس تورانس، وهو لاهوتي اسكوتلاندي بروستانتي، استطاع أن يوقع اتفاقية مع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية عن الثالوث، وستجد هذه المقاربة في كتاب له بعنوان (The Divine Meaning-page 7). المقاربة تعتمد على مقارنة الوحي بالتجسد.. لكن ما يهمني في هذه النقطة أن كاهنًا قبطيًا شابًا طوّع هذه النظرية لتتماشى مع اللاهوت الأرثوذكسي، كما موضوح بالشكل: 

-     في نظريات الوحي.. في هامش 123، عن قصة الخلق، لا أعتبرها وحيًا إملائيًا خالصًا.. فبعد أن تعرف أن هناك أساطير محلية مشابهة تقدم أطروحات عن الخلق.. سيبقى لنا أن نستنتج أن الكاتب أُلهم بالأفكار اللاهوتية فقط، ثم استخدم القالب السائد حوله لتوصيل هذه المعاني الجديدة.
-      في صفحة 72، هل نظرية الوحي اللفظي هي نفسها ما يُسمى ب ”الاستملاك- appropriation“..
-    ربما تحب أن تعرف أن هناك ما يسمى بفكرة الآلة الموسيقية، (musical instrument)، وهذه النظرية قال بها بعض الآباء. فمثلاً أثيناغوراس المدافع يشبه الأنبياء بالناي الذي ينفخ فيه الروح القدس- وهذه الفكرة لها جذورها عند أفلاطون وكذلك فيلون السكندري. يوستين الشهيد والمدافع في القرن الثاني يعدل في هذا التشبيه، ومونتانوس المهرطق يشبه الأنبياء بالقيثار والروح القدس بالريشة التي تعزف عليه.
-     في صفحة 77، قلتَ أن كلام اصدقاء أيوب كان خاطئًا لأنه لم يراعِ حالة أيوب، لكني أرى أن الأمر ليس له علاقة بمراعاة المشاعر أو الحالة، بل كلام الأصدقاء ينم عن لاهوت مختلف. أحيلك على كتاب ”هل يلام الله؟“ لجريجوري بويد، إصدار دار الثقافة، الذي يزعم الكاتب فيه أن أيوب هو الآخر كان يهاجم الله (وإن كان بصدق نية، مما جعل الله يقبل كلامه باعتباره أفضل بكثير من دفاع أصدقاء أيوب عن الله- ويرى أن الكلام الصحيح في السفر هو كلام أليهو وكلام الله فقط.)
-     في صفحة 89، قلت أن الله سمح بأن تكتب الصلوات الانتقامية  ”دون أن يوافق عليها“، ثم استعرضت كيف أن الأمر أصبح مختلفًا في العهد الجديد. لكن ماذا عن رؤيا 6: 10 عن النفوس التي كانت تصرخ تحت المذبح: ”حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟“ بشكل عام لا أستطيع قبول فكرة إله لا ينتقم.. في العهدين.. ربما تقرأ هذا عند اللاهوتي ياروسلاف فولف. لأن عدم انتقام الله يعتبر تشجيعًا غير مباشر على التمادي في الشر والعنف. وربما تفسر صلوات رجال الله في العهد القديم (أو الجديد) طلبًا للانتقام على أن هدفها هو vindication وليس retaliation. أعرف أنها مسالة صعبة.
-     نأتي لنقطة هامة هي أن العهد الجديد يحوي ”ارتقاء“ على حساب العهد القديم. وهذا صحيح. لكني أختلف مع بعض الأدلة التي قدمتها لهذه الحجة.. وبالذات الموعظة على الجبل، وفيها صحح السيد المسيح تفسيرات ربينية فريسية ولم يناقض العهد القديم، والدليل على ذلك أنه استخدم عبارة ”سمعتم أنه قيل“ بدلاً من عبارة ”مكتوب“ التي كان يستخدمها للتصديق على ما جاء به العهد القديم:
§    فمثلاً ”لا تزن“، و”لا تشتهِ“: العهد القديم لا يقول لا تشته امرأة قريبك فقط، بل ”لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَلاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ.“ (خروج 20: 17). ربما بعض الفريسيين كانوا قد ألمحوا خطأً أن الشهوة لا تضر طالما أنها لم تصل إلى الزنا.. وهذا هو الانحراف الذي صححه المسيح.
§     نفس الشيء ”تحب قريبك وتبغض عدوك“.. هذه الآية ليس لها وجود في العهد القديم، بل نقرأ مثلاً: ”إِذَا صَادَفْتَ ثَوْرَ عَدُوِّكَ أَوْ حِمَارَهُ شَارِدًا، تَرُدُّهُ إِلَيْهِ. إِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مُبْغِضِكَ وَاقِعًا تَحْتَ حِمْلِهِ وَعَدَلْتَ عَنْ حَلِّهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ تَحُلَّ مَعَهُ.“ (خروج 23: 4، 5).. وهناك تفسيرات لبقية الأصحاح، وأصحاح الويلات، فأنا لا أرى نصًا واضحًا في العهد القديم يقول بتعشير النعناع والسذاب، أو بطلاء القبور من الخارج.
-    نقطة تنازلات الله لقبول العنف في العهد القديم والاشتراك فيه.. واختلاف العهد الجديد عن هذا. ماذا عن حنانيا وسفيرا، وهيرودس الذي ضربه الدود في التو واللحظة؟ ألا يشبه هذا حالات عُزا وقصة لمس التابوت أو قصة ناداب وأبيهو أو عاخان بن كرمي؟ وماذا عن عنف سفر الرؤيا؟ أحد الأشخاص كان يوصي بألا نقرأ سفر الرؤيا قبل النوم، نظرًا للأهوال التي يحتويها.. والتي ستتضمن إبادة من نوع معين لشعوب وبلاد. وكلامك في صفحة 196 عن توبيخ المسيح لابني زبدي كيف يتوافق مع النيران الكثيرة التي ستنهال على العالم والتي ورد ذكرها في سفر الرؤيا.
-        المقاربات التسعة لإشكالية العنف.. ولا أروع!
-        بالنسبة لاقتباسات العهد الجديد من القديم، والتقسيم الخماسي ولا أروع أيضًا.
§        التتميم (direct prediction): ولو أن ميخا 5 فيها تعديل أيضًا، لأن بيت لحم أفراته- صغيرة حسب ميخا، وكبيرة حسب متى- لكنها لم تعد صغيرة بعد أن ولد فيها المسيح!   
§     التكميل (sensus plenior- fuller meaning): في نبوة إش 7، صفات هذا الطفل الملوكي تؤكد أيضًا أن هناك مُشار إليه أبعد وأكمل: الطفل المشير والقدير ورئيس السلام.
§        المقارنة، أو الرمزية التيبولوجية Typology،
§        التطبيق أو الرمزية الاستعارية allegory
§     التعديل، وأختلف معك بعض الشيء.. لم يكن الحذف لغرض التعديل بل الإرجاء، وإليك مثالان على ذلك: السيد المسيح في لوقا 4 اقتبس من إشعياء.. روح الرب علي .. لحد ”لأكرز بسنة الرب المقبولة“.. ولم يكمل حتى و”بيوم انتقام لإلهنا“.. هذا اليوم مؤجل للمجيء الثاني. لكن بطرس في عظته في يوم الخمسين اقتبس من يوئيل النبوة كاملة بما فيها من إنذار بالانتقام.. فكيف يمكن أن نفسر هذا؟
في النهاية، لو لم يكن كتابك عظيمًا لما أثار فيّ كل هذه الأفكار.. وأنا أشجع بقوة اقتناء هذا الكتاب. هذه الملاحظات مرة أخرى ليست للتقليل من كتابك على الأطلاق، ولكنها من باب ”الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ.“ (أمثال 27: 17).


هناك تعليق واحد:

  1. اعتقد ان سفر ايوب وضع بوحي الهي لمناقشة قضية من اعمق القضايا، اﻻ وهي سر اﻻلم.
    حوارات اﻻصدقاء متجمعة في شكل حلقات تنشئ توترا تؤدي من ذروة الى اخرى. وهكذا فالمقابلة الثانية مع الشيطان اكثر تاثيرا من اﻻولى. والخطاب الثاني ﻻيوب اعنف من اﻻول. واﻻحاديث بين ايوب واصدقائه تزداد حدتها شيئا فشيئا.
    وحديث ايوب الختامي يستهل بقصيدة عن الحكمة (28) كمقدمة بعد انتهاء الجوﻻت الثلاثة للحوار، وهدوء تاملاته في مقابل العنف والصخب قبل وبعد ذلك يقدم ارتياحا ضروريا للقارئ، وبنفس الطريقة فان اعظم لحظتين في السفر هما التحدي الصارخ ﻻيوب (ص28-31) ورد الله الحاسم (ص38-41) تفصل بينهما احاديث اليهو (ص32-37).
    ان التشابه في الشكل بين مشهد اﻻفتتاح الذي فيه يتحدث الله مرتين مع الشيطان، ومشهد الختام الذي فيه يتكلم الله مرتين مع ايوب، يدل على روعة الجمال الفني وبناء السفر.

    وهذا رابط لمن يرغب في دراسة اكثر استفاضة:
    https://spiritual-scrap.blogspot.com/2019/07/blog-post_35.html

    ردحذف