فيما يلي 13 مقاربة لحل معضلة العنف والحرب في العهد القديم.. هذه
المقاربات بعضها قديم، وبعضها حديث جدًا.. من خلال هذا الإحصاء نريد أن نأخذ من كل
مقاربة جوانبها الإيجابية، ونترك الجوانب السلبية التي إمّا تقوِّض من مصداقية
الوحي الإلهي، أو تتهم الله بالتعسف، أو تخفق في التوفيق بين إله العهد القديم،
وإعلانه الكامل في شخص يسوع المسيح.
1- رفض النص: بدعة ماركيون في القرن الثاني، لم يعجبه إله العهد
القديم، وانتهى به الأمر برفض العهد القديم كله ومعظم العهد الجديد. استخدم المشرط
بدل القلم (العلامة ترتليان).[1]
بالطبع هناك ما يُسمى ب (Modern day Marcionites) الذين يدعون لإعادة تقنين
الأسفار بشرط أن يكون ”عدم العنف“ هو معيار التحكيم. وهناك أيضًا (Functional Marcionites) الذين يتجاهلون هذه النصوص
تمامًا. بداخلهم يرفضون هذه النصوص وإن لم يُسموا هراطقة.
2- التفسير الرمزي للنص أو (روحنة النصوص): الرائد في هذا العلامة
أوريجانوس وآخرون؛ يرى أن ظاهر النص يخفي تحته حقائق روحية أبعد وأعمق. فلسفة
أوريجانوس أن ”القضية برمتها روحية“. من تفسيراته (راحاب= الكنيسة، الحبل القرمزي=
دم المسيح. في قصة لوط مثلاً: لوط هو ناموس العهد القديم، وامرأة لوط= شعب إسرائيل
الذين رفضوا الوصية، ابنتي لوط= أورشليم والسامرة.) كان هذا المنطق يُطبق على
الإلياذة والأوديسة.. نصح أفلاطون بعدم تدريسهما للأطفال، لكن لم يتبع أحد نصيحته
لأن الناس كانت تحترم كتابات هوميروس، واكتفت بالتفسير الرمزي.[2]
وبالتالي كان التفسير الرمزي ملائمًا لهذا العصر. وإن كنت أرى أن حروب العهد
القديم يمكن اعتبارها جزءًا من حرب روحية أكبر مع قوى إبليس. المشكلة أن عصرنا
الحالي غارق في المادية والنزعة الاستهلاكية والواقعية، لا يعترف إلا بالأرقام
والنتائج، ولا يستوعب فكرة الرمزية، فوجب العدول عنها.
3- الحصانة الإلهية (divine immunity): تقول هذه المقاربة: الله له
سلطان مطلق، ولا يُساءل عما يفعل، وكل ما يفعله صالح ولا يمكن أن يُخطئ. وليام لين
كريج يقول أن الله لديه المبرر الأخلاقي الكافي لهذه الإبادة. المشكلة في هذا
الطرح أنك ستقول: كيف يكون قتل الأطفال وسبي الناس شيئًا صالحًا؟ وستكون الإجابة: طرقه
ليست كطرقنا، وأفكاره ليست كأفكارنا، نحن لا نرى الصورة الأشمل، معيار الله للعدل
ليس كمعيارنا. لذا لا يجب أن نتشكك في سلوك الله مهما بدا شريرًا. يقول كريج عن
قتل الأطفال: ”الله له الحق أن يعطي الحياة ويأخذها..الأطفال يموتون كل يوم. تنتهي
حياة أشخاص. الله ليس ملزمًا أبدًا بأن يطيل حياة شخص ما ثانية واحدة..“[3] إشكالية هذه المقاربة أنها تغلق الباب أمام
الأسئلة التي تؤرقنا.
4- القضية العادلة: هي محاولة لتبرير سلوك الله، وتوضيح أنه عقوبة
مُستحقة سواء في الطوفان (تك 6: 11- 13)، أو سدوم وعمورة، أو سقوط أورشليم (2مل
21: 10- 15)، وكذلك بتسليط الضوء على الخطايا الشنيعة لشعوب كنعان مثلاً، وأنهم قد
تجاوزوا مرحلة اللاعودة: (من أمثلة هذه الخطايا: ممارسة السفاح والشذوذ والزنا وبالأخص مع الحيوانات –bestiality، والأهم تقديم أطفالهم كذبائح
بشرية للإله مولك.. إلخ). التركيز على أن حروب كنعان ليست حرب إبادة بل دينونة
إلهية، مثلها مثل الطوفان وسدوم وعمورة، وغير ذلك. مشكلة هذه المقاربة أن أحيانًأ
بيكون في أبرياء بيموتوا، والشعور بعدم تقديم فرصة كافية للتوبة. ديفيد لامب بيقول
”فكر في النازيين“ أو داعش (حسب د. أوسم وصفي)، وهم يدربون أبناءهم وسيداتهم على
العنف.
وإذا قلت يمكن قبول ذلك بالدينونة الطبيعية مثل سدوم وعمورة والطوفان، ولا
تقبل أن يستخدم الله شعب في تنفيذ الدينونة؟ يُرد على ذلك، أنه ليس من حقنا اختيار
وسيلة الدينونة، (تشبيه القاضي وعشماوي). في النهاية: ”لكي يحقق الله عمله في العالم،
فهو يستخدم العنف من بين وسائل أخرى كثيرة، حتى لا تفلت الخطية والشر بدون عقاب. يختار
الله الاشتراك في العنف حتى لا يكون للشر الكلمة النهائية.“
5- مقاربة الخير الأعظم: بمثابة استئصال جراحي لنجاة الشخص المريض. عندما
نبحث في الأسباب الكتابية سنجد أنه ليكون له 1- شعب مقدس (مفرز): ” لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ
قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ
الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ،
الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ.
بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ.“ تث 7: 7، 8. 2- في أرض مقدسة، حتى لا يلتصقوا ببقية الأمم الوثنية. لكن هذه المقاربة تثير تساؤلاً: هل يوجد أب للحفاظ على أولاده يذهب ليقتل كل أطفال المنطقة التي يسكن فيه؟ وفي النهاية هل نجح هذا الهدف، وصار ابنه شخصًا جيدًا ولم يفسد؟
بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ.“ تث 7: 7، 8. 2- في أرض مقدسة، حتى لا يلتصقوا ببقية الأمم الوثنية. لكن هذه المقاربة تثير تساؤلاً: هل يوجد أب للحفاظ على أولاده يذهب ليقتل كل أطفال المنطقة التي يسكن فيه؟ وفي النهاية هل نجح هذا الهدف، وصار ابنه شخصًا جيدًا ولم يفسد؟
ربما في حالة قتل الأطفال يفسر البعض أن قتلهم، وإن كان غير مستحب في حد
ذاته، ألا أنه لخيرهم وخلاصهم، لأن هؤلاء الأطفال كانوا سيربون في ثقافة فاسدة،
وسينسخون تصرفات والديهم، ومن ثم فمصيرهم الجحيم. وبالتالي لو قصر الله حياتهم،
فهذا لمصلحتهم. أبونا داود لمعي يقول: ”أليس من الرحمة أن يموت هذا الطفل بدري،
لعله يجد مكانة افضل عند الله؟“[4]
طبعًا إحنا بنقول لأبونا ”أليس من الرحمة أن يُترك ليعيش ويرسل له الله من يفتقده،
فيتوب أو ربما يصير أحد رجال الله، ويساهم في امتداد ملكوته على الأرض؟!!!“
6- رفض الوحي: أو التفرقة
بين الله كما يصوره النص (textual God)، والله الفعلي (actual God). في هذه المقارنة يصف كتبة
الإسفار وقد تعرضوا لنوع من الخطأ أو التضليل جعلهم ينسبون لله ما ليس فيه. هذا
يطعن في وحي الكتاب كله؛ لأننا لن نستطيع أن نرسم خطًا فاصلاً بعد ذلك لنميز بين
ما توهمه كاتب النص وما هو منسوب بشكل حقيقي عن الله. أبونا متى المسكين مثلاً يقول: ”حروب الرب..
كانت دموية بأقصى ما يمكن التعبير عنه.. ولا يمكن أن يجيزها الضمير، ولا يمكن أن
يبررها العقل بحسب موازين إيماننا، ولكننا نقول إن إسرائيل تصرفت بأكثر مما أوصى
به الله.“[5]
7- المبالغة الأدبية (Hyperbole): تعتمد هذه المقاربة على دراسة مقارنة لنصوص الحرب في
ثقافة الشرق الأدني الكبير، وبمقارنتها سنجد أن لغة نصوص الحرب تتسم بالمبالغة
الأدبية والشمولية. فعندما يُقال أنهم حرموا وقتلوا كل نفس حية، وكل طفل وامرأة
وشيخ، فهو لا يقصد هذا حرفيًا، وإنما يدل على هزيمة كبيرة، حتى ولو لم يوجد امرأة
أو طفل واحد. عندما نقوم بدراسة حالة على عماليق سنجد ما يلي:
دراسة حالة: عماليق (باول كوبان)
-
خر 17: 13 ماذا فعل يشوع؟ ”هَزَمَ
يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ.“ يُفترض أنه أبيد هنا.
-
1صم 15: 3 ”اذْهَبْ
وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ
اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً
وَحِمَارًا.“ في هذه الآية أمر بالقضاء عليهم نهائيًا.
-
1صم 15: 20 ”فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: إِنِّي قَدْ
سَمِعْتُ لِصَوْتِ الرَّبِّ وَذَهَبْتُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَرْسَلَنِي فِيهَا
الرَّبُّ وَأَتَيْتُ بِأَجَاجَ مَلِكِ عَمَالِيقَ وَحَرَّمْتُ عَمَالِيقَ.“ شاول يعطي تقريرًا بالقضاء عليهم!
-
1صم 27: 8-9 ”دَاوُدُ
وَرِجَالُهُ وَغَزَوْا الْجَشُورِيِّينَ وَالْجَرِزِّيِّينَ وَالْعَمَالِقَةَ"، وَلَمْ يَسْتَبْقِ
(داود) رَجُلاً وَلاَ امْرَأَةً.“ داود يعطي تقريرًا بالقضاء عليهم نهائيًا!
-
1صم 30: 1، 2 ”وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى
صِقْلَغَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، كَانَ الْعَمَالِقَةُ قَدْ غَزَوْا الْجَنُوبَ
وَصِقْلَغَ، وَضَرَبُوا صِقْلَغَ وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ، وَسَبَوْا النِّسَاءَ
اللَّوَاتِي فِيهَا.“ مازالوا موجدين!
-
1صم 30: 17 ”فَضَرَبَهُمْ دَاوُدُ
مِنَ الْعَتَمَةِ إِلَى مَسَاءِ غَدِهِمْ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ
أَرْبَعَ مِئَةِ غُلاَمٍ الَّذِينَ رَكِبُوا جِمَالاً وَهَرَبُوا.“ كونوا جيشًا ومن هربوا منهم يُقدرون ب 400 شخص!!
-
1أخ 4: 43 في أيام حزقيا (بعد داود
ب 250 سنة): ”وَضَرَبُوا بَقِيَّةَ الْمُنْفَلِتِينَ مِنْ عَمَالِيقَ.“ما زال هناك منفلتين!
-
إس 3: 1 هامان
الأجاجي؟ هامان من نسل أعجاج العماليقي ويصل لمكانة مرموقة في أرض السبي.
وبالتالي لا يبدو الأمر أن الإبادة حدثت بشكل حرفي، ثم نرى في إر 25: 9
يستخدم الله نفس كلمة ”تحريم“ كعقاب لبني إسرائيل على يد البابليين. ”هأَنَذَا
أُرْسِلُ فَآخُذُ كُلَّ عَشَائِرِ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَإِلَى
نَبُوخَذْرَاصَّرَ عَبْدِي مَلِكِ بَابِلَ، وَآتِي بِهِمْ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ
وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِهَا وَعَلَى كُلِّ هذِهِ الشُّعُوبِ حَوَالَيْهَا، فَأُحَرِّمُهُمْ
وَأَجْعَلُهُمْ دَهَشًا وَصَفِيرًا وَخِرَبًا أَبَدِيَّةً.“
-
أيضًا الأدلة الأثرية لا تدعم فكرة حملة عسكرية
كاسحة..
-
كما أن هناك نصوص كتابية تقول إن الإبادة لم تحدث.. في سفر القضاة يقول إن يهوذا لم يستطع أن يطرد سكان الوادي (1: 19)، وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيين (ع 21)، ومنسى لم يطرد أهل بيت شان (ع 27)، وفي ع 28 يقول إن ”وكَانَ
لَمَّا تَشَدَّدَ إِسْرَائِيلُ أَنَّهُ وَضَعَ الْكَنْعَانِيِّينَ تَحْتَ الْجِزْيَةِ
وَلَمْ يَطْرُدْهُمْ طَرْدًا (ع 28) “
-
كذلك هناك تحذيرات كتابية بعدم الاختلاط بهم أو الانجذاب
لإلهتهم، فكيف يصح هذا إذا تم إبادتهم بالكامل..
وبالتالي يقول كريستوفر رايت: ”ما اختبرته شعوب كنعان من دينونة الله في جيل
واحد، اختبره شعب إسرائيل على مدار تاريخه.“ والمقصود بيه التهجير والتشريد أكثر
من الإبادة. آيه الطرد.. أيضًا الخسائر
والضحايا كانت بين المسلحيين، وكانت هناك فرصة كبيرة للمدنيين بالهروب أو
الاستسلام.
8- نظرية الإعلان المتدرج Progressive revelation: استكمالاً للمقاربة السابقة،
اشتراك الله في العنف في العهد القديم كان نوعًا من التنازل تماشيًا مع المناخ
الثقافي السائد، ومنظومات بشرية في عالم ساقط. وربنا قبل أن يصدقوا أنه إله محارب
كخطوة نحو إعلان الله المتدرج والوصول إلى ذروة الإعلان في المسيح. ويدللون عن هذا
التنازل بأمور أخرى، مثل الطلاق، تعدد الزواج، المحظيات (ملكات اليمين)، وربما
نظام العبودية أم خدمة الدَّين. ”لا يستطيع أحد أن يعلم الناس التفاضل والتكامل
قبل الجمع والطرح.“
9- مقاربة الدولة الثيؤقراطية: ترتكز على فكرة أن إسرائيل في ذلك
الزمن كان لها وضع خاص، قبل عصر الملوك، حين كان الحكم إلهي، وبالتالي ما حدث في
الماضي كانت له ظروفه وهو غير قابل للتكرار. وكانت الحروب التي يأمر بها الله حروب
مقدسة، وحروب آلهة في المقام الأول. والإله المنتصر هو الإله الأقوى. نرى ذلك
بوضوح في قصة وضع التابوت في معبد الإله داجون، وكلام ربشاقي لرسل الملك حزقيا.
10- مقاربة الدعاية السياسية (نقد التنقيح): هذه المقاربة تعتمد على
فكرة أن هناك تنقيح أو تحرير جرى على نصوص العهد القديم في فترة ما بعد السبي،
للتأكيد على أن تقصير يشوع في القضاء النهائي على هذه الشعوب هو السبب الرئيسي في
السبي. وهي نوع من الدعاية السياسية ضد الأجانب، وليس بالضرورة هو ما حدث بالفعل.[6]
بالطبع هذه المقاربة مثل مقاربات أخرى تزعزع في مصداقية الوحي.
11- التركيز على الطرد: طالما أن الله فعل نفس الشيء مع بني
اسرائيل، لاحظ استخدام نفس التعبير ”يحرم“، فالأمر في جوهره يتركز على الطرد،
بالرجوع إلى لاويين 18، أن الأرض تقذف سكانها بسبب النجاسات. ولم يكن الأمر يركز
على القتل بأكثر ما يركز على الطرد. من مؤيدي هذه المقاربة وليام لين كريج وألمح
لها باول كوبان في كتابه (Is God a Moral Monster?). بالطبع ما يؤيد هذه المقاربة
الدلائل الحفرية القليلة التي تظهر دمارًا شاسعًا..
12- مركزية المسيح Christ- centered: يقدم هذه المقاربة اللاهوتي
الشهير كارل بارت، وهو يرى أن أي صورة في العهد القديم لا تتفق مع صورة المسيح بصفته الإعلان الكامل لله، هي من اسقاطات البشر.
إشكالية هذه المقاربة أنه إذا رفضنا الطوفان وسدوم وعمورة سنطعن في العهد الجديد
الذي أكد هذا الأحداث.. وإذا رفضنا عزا الذي لمس التابوي، فماذا عن حنانيا وسفيرة،
وإذا رفضنا إبادة كنعان، ماذا عن الإبادات الكاسحة في سفر الرؤيا. هذه المقاربة
بالرغم أنها تنطلق من اعتبار المسيح مركز فهم الكتاب المقدس، إلا أنها تطعن في
مصداقية الوحي أيضًا.
13- مركزية الصليب Cross- centered:
يقدم هذه المقاربة الكاتب الأمريكي جريجوري بويد. على الصليب ظهر شكل قبيح
خارجيًا عن الله، وعميق داخليًا. ارتضى أن يظهر كمن ليس هو حتى يعلن لنا عن من هو
بالحقيقة. على الصليب صار لعنة ليخلصنا، وفي حروب كنعان نسب لنفسه الشر والقسوة
كنوع من التنازل والإخلاء، المؤقت، حتى يُفهم في عصر لا يعترف إلا بالإله المحارب
(Warrior God). فكرة الإله المحارب استمرت في العهد الجديد ولكن بمعنى روحي: ”جَرَّدَ
الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ
فِيهِ.“ (كولوسي 2: 15). ترمبر لونجمان يشير إلى أن حروب كنعان ”هي مرحلة مبكرة
للحرب التي خاضها المسيح على الصليب والتي ستكمل في الدينونة الأخيرة.“[7] جدير
بالذكر هنا أن هناك من يرصد مقارنة بين الحروب العنيفة قبل دخول أرض الموعد،
والحروب العنيفة قبل دخول أورشليم الجديدة يف سفر الرؤيا، ويستخلصون من هذا رمزية
مشتركة؛ أن كل من يقاروم أو سيقاوم عمل الله الخلاصي سيكون جزاؤه الفناء.
في حوار على الإنترنت
يحكي جريج بويد هذه القصة ليشرح فكرة الإخلاء:
في أحد بيوت الإيواء، استقبلوا فتاة صغيرة عمرها 10
سنوات. وفي الصباح دخل أحد العمال ليجد أنها لطخت غرفتها ببرازها. غالبًا ما يُفسر
هذا على أنه نوع من التمرد، لكن هذا الفريق المسيحي المسؤول عن البيت حاول استيعاب
الأمر، ولم يعنفوها، بل خصصوا لها مكانًا لتفعل هذا، وكانوا ينظفون هذا لفترة
طويلة. بعد فترة وبعد أن شعرت الفتاة بالأمان، واستطاع الفريق أن يكتشف أن هذه
الفتاة كانت تتعرض للاغتصاب الجنسي على يد والدها، وفي إحدى الليالي أخرجت بعض
الفضلات أثناء اغتصاب والدها لها، مما جعله ينفر ويتركها.. شعرت الفتاة أن هذا
الشيء يمثل لها حماية من يذاء والدها.. فبدأت كل ليلة في أن تلطخ بفضلاتها الحائط
حتى لا يقترب والدها منها.. هذا السلوك منفر للعاديين، لكنه كان يشعرها بالأمان.
هذا الفريق عمل على أن يشعرها بالأمان أولا، ويبني معها
علاقة أساسها الحب والثقة ثانية، حتى لو اضطروا أن يشتركوا معها في هذا السوك
المقزز.. ثم تدريجيًا تحررت من هذه العادة وصارت في مكان أفضل وحالة أفضل. (نفس
الشيء تنازل الله واشترك مع شعبه في أعمال منفرة ودموية، حتى يقودهم تدريجيًا إلى
وضع أفضل- في المسيح.)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق