الأحد، 18 فبراير 2018

قراءة في كتاب ”هل يُلام الله؟“ للكاتب جريجوري بويد



في هذا الكتاب يهاجم جريجوري بويد الأجوبة المسيحية التقليدية والكلاشيهات عن ”إشكالية الألم والمعاناة“، فهو ضد التوجه المسيحي العام والسائد بأن كل ما يحدث هو من يد الله، أو ما أترجمه بنظرية المسودة (blueprint theory)- بمعنى كأن الله رسم قبل تأسيس العالم مسودة بالقلم الرصاص مثلاً لكل ما سيحدث في العالم من أحداث، وما يحدث أن الخليقة تسير على هذه المسودة لتحبّرها بالقلم الجاف مثلاً. (ملحوظة: سوء الترجمة زاد من صعوبة هذا الكتاب). هذه النظرية باختصار تقول إن كل شيء مُعد ومخطط له سلفًا من قبل الله. 
بالطبع الكاتب يرفض هذه الفكرة. وينتقد اللاهوتيين المسيحيين، مثل جون بايبر مثلاً، الذين قالوا أن حادث 11 سبتمبر مثلاً يجب أن نقبله كجزء من خطة الله! (صفحة 52). الكاتب يرفض هذا، لأنها لو جزء من خطة الله، وعلمنا بأنها كذلك قبل وقوعها، ما كان يجب أن نمنع حدوثها أبدًا. يزعم الكاتب أن هذه الفكرة لتخدير المؤمنين، والأهم أنها تقدم فكرة مغلوطة عن الله.
الكاتب أيضًا ضد فكرة..
-    أن يكون الله فوق التأثر أو فوق الألم. وينتقد النظرة التقليدية القائلة بأن الانكشاف العاطفي emotional vulnerability هو نوع من الضعف، أو فيه انتقاص من كمال الله. لكن الكاتب يذهب إلى أبعد من هذا، ويقول في صفحة 190، 191 أننا لا يجب أن نشعر بالوحدة لأن الله تألم مثلنا، ويتفهم معاناتنا، ويشاركنا فيها.. كأن الله في المسيح يجلس معنا في ”مجموعة مساندة“، كواحد من المـتألمين. (بالطبع أرى أنها فكرة صعبة، لأننا نؤمن أن الله لا يتفهم آلامنا فقط، ولا يشاركنا فيها فقط، لكنها آلام محيية شافية.. وأرى أن إخلاء الله وتنازله في التجسد لم يقلل أبدًا الفجوة بين الخالق والمخلوق.. لم أشعر بارتياح لهذه الفكرة.)  
-  الكاتب ضد فكرة أن يكون الله فوق التغيير.. في صفحة 56 يقول إن الصليب يكشف الألوهة ليس في غياب التغيير وإنما في كمال التغيير المسوق بالحب!
-   الكاتب ضد فكرة أن الله لكي يكون كلي لقدرة فهذا يعني أن يتحكم في كل الأمور. في صفحة 143 يقول أن أي أب مثلاً يقدر أن يتحكم في أبنائه الصغار بشكل كامل، لكننا لا نحب هذا النوع من الآباء. بل نحب الأب الذي مع قدرته الكاملة يترك لأبنائه حرية الاختيار حتى يتعلموا.. ويقول أن الله يفعل هذا حتى إذا تضمن الأمر مخاطرة بحدوث نتائج سيئة أو مأساوية..
-  ضد فكرة أن يكون الله هو علة كل شر يحدث في العالم.. لأن الله نور وليس فيه ظلمة البتة. يعتمد الكاتب على فكرة جميلة بأن يسوع المسيح هو الإعلان الكامل عن الله.. خلي جمال يسوع هو اللي يحدد نظرتنا لله، وليس خبراتنا الشخصية. وبالطبع المسيح جاء بالخير والشفاء والخلاص للناس، وبالتالي فالكاتب يرفض أن يكون الشر من يد الله أبدًا.  
كيف يفسر الشر إذن؟ هو يُرجع الأمر إلى 1- التعقيد الهائل الذي يغلف الكون الذي نعيش فيه. ويشرح ما يُسمى بتأثير الفراشة (butterfly effect).. ودي باختصار تعني أن حركة جناح فراشة في قرن سابق يكون لها تأثير في حدث يحدث اليوم.. وبالتالي لا نستطيع كبشر أن نعرف سلسلة الروابط المعقدة التي تؤدي إلى وقوع حدث معين (صفحة 184). وفي صفحة 151 يقول ”نحن نرى ذيل عملية طويلة معقدة وغير معروفة أو مفهومة.. نحن نشاهد فقط آخر الحركات في لعبة وهي أكثر تعقيدًا مما نفكر أو نظن.“
2- الأمر الثاني هو نظرية الحرب الروحية الكونية، فهو يرى أن عالم الملائكة والشياطين- بأعداد كبيرة لا نعرفها- ولها مطلق الحرية في الحركة، وبالتالي ”الحال في عالم الأرواح لا يختلف كثيرًا عن طبيعة الأحوال في عالمنا المادي“ (صفحة 124). نفس الدرجة من التعقيد هناك. ويأتي بشاهد مهم هو دانيال 10: 12- 13، الذي يقول أن الملاك تأخر عن دانيال 21 يومًا، لأنه كان في حرب مع الشياطين حتى جاء ميخائيل لإعانته، وبالتالي فإن نتائج هذه الحرب يؤثر أيضًا في ما يجري على الأرض.
بالطبع الفكرة الأولى تفرح المتشككين واللاأدريين، بالرغم أنه يدعو للتمسك بالرجاء وتثبيت النظر في المسيح، خلال مسيرتنا في هذا الكون المغلف بتعقيدات لا توصف، ومنغمسة في حرب كونية روحية حامية الوطيس. أمّا الفكرة الثانية تضع أهمية كبيرة لفكرة الحرب الكونية، مما جعلني أنا شخصيًا يشعر أن الشيطان يمثل ندًا أكبر مما نتصور لله، وأن الله منهمك طوال الوقت في هذه المعركة، وأن قدرة الله محدودة أمام هذه الحرب ونتائجها واحترام حرية الإرادة الممنوحة سواء للبشر أو الملائكة.
تعقيب مهم: أرى أن فكر جريجوري بويد يقترب من فكر مدرسة (open theism)، والمعتزلة في علم الكلام الإسلامي.
أولاً: اللألوهة المنفتحة بتعتمد على فكرة أن علشان يكون في علاقة حقيقية بين الله والإنسان.. يبقى الله بيتسجيب بقدر استجابة الإنسان.. في احترام مطلق لحرية إرادة الإنسان.. وبالتالي نتيجة العلاقة دي مفتوحة.. كل الاحتمالات مفتوحة. فيما معناه أن المستقبل غير معروف بشكل كامل لله، ممكن يكون عنده توقعات.. والله بيدعونا نشاركه في صناعة هذا المستقبل. طبعا في فكرة بتقول أن علم الله السابق لا يعني أن ما يعلمه سيكون محتم الحدوث.. لكن فكرة أخرى ترد أنه كيف يعرف الله مسبقًا بحدوث شيء إلا ويتحتم حدوثه! فكرة الألوهة المنفتحة بتقول إن كل الاحتمالات مفتوحة أمام الله..
ثانيًا: المعتزلة أسسوا مدرسة اسمها القُدرية libertarianism وليس القَدرية بفتح القاف. وهي بتقول أن الإنسان له قدرة وحرية كاملة، وأنه يخلق أفعاله. وكانوا بيردوا على المدرسة الجبرية اللي كانت بتنسب كل شيء لله، وإن الإنسان كالجماد. الشجرة تثمر دي جملة غلط، لأن الله الذي يجعلها تثمر، هكذا الإنسان قدرت له أفعاله وهو فقط يتممها.. ونشأت المعتزلة كرد فعل ونقيض لهذه المدرسة. المدرسةالجبرية تجعل من الله العلة الأولى لكل ما يحدث، من خير وشر، وهذا ما يرفضه جريجوري بويد، أما المدرسة الثانية فتجعل من المخلوقات ذوي الإرادة الحرة العلة الأولى فيما يفعلونه، وليس لله دخل في هذا، وما عليه سوى احترام حرية الإنسان، وهذا ما يؤكد عليه جريجوري بويد في أكثر من موضع في كتابه، قائلاً أنه من المستحيل أن يبطل الله حرية الإنسان؛ فهذا مستحيل منطقيًا، ولا يقدر الله عليه، مثلما لا يستطيع الله أن يخلق مثلثًا دائريا أو أعزبًا متزوجًا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق