الخميس، 14 سبتمبر 2017

الحياة والموت في مزمور 90




النص حسب الترجمة العربية المشتركة
تعليقات تفسيرية
(ع1)
صلاةٌ لموسى، رجلِ اللهِ: يا ربُّ مِنْ جيلٍ إلى جيلٍ كُنتَ مُعينًا لنا.
كلمة "معين" في ترجمات أخرى "بيت" أو "مسكن"، أو "ملاذ". وهذا ينطبق على كل من موسى (كاتب المزمور) الذي عاش هاربًا من مصر، عاش بلا وطن، مات دون أن يدخل أرض الموعد. وينطبق على شعب بني إسرائيل في هذا الوقت، وهم لم يدخلوا بعد  أرض الموعد. علم موسى أن الإنسان يحتاج إلى شخص يسكن إليه، أكثر من احتياجه لمكان يسكن فيه. وهذا يترتب عليه أن يكون معنى الحياة ليس فيما نفعله، وإنما في الشخص الذي نفعل له ومن خلاله.
(ع2)
مِنْ قَبلِ أنْ تُولَدَ الجبالُ وتَنشأَ الأرضُ وساكِنوها، مِنَ الأزَلِ إلى الأبدِ أنتَ اللهُ.
يبدأ المرنم بثبات الله وأزليته لأنه سيتحدث بعد ذلك عن هشاشة الحياة وقصرها. المرنم يذكرنا بأن الله هو الثابت ”هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُإِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لاَ جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ.“ (تث 32: 4). هو أمس واليوم، هو الذي لا يعتريه تغيير، هو الكامل في ذاته، والمتعطف بالإحسان.
(ع3)
تُعيدُ الإنسانَ إلى الغُبارِ وتقولُ: ”عودوا يا بَني آدمَ.“
هنا تذكير الإنسان بأنه فانٍ.. مخلوق ليس من ذاته.. وجوده يعتمد على غيره (الله الخالق). يُقال إن فيليب والد الأسكندر الأكبر وظف رجلين، أحدهما يقول له في الصباح: ”تذكر يا فيليب أنك لست سوى إنسان“، ثم يسأله الآخر في المساء: ”هل تذكرت يا فيليب أنك لست سوى إنسان.“
(ع4)
ألفُ سنَةٍ في عينَيكَ كيومِ أمسِ الذي عَبَرَ، أو كهُنَيهَةٍ مِنَ اللَّيلِ.
إن كان يوم واحد عند الله= 1000سنة من أيامنا
يبقى السنة (365 يوم) عند ربنا= 365 ألف سنة من أيامنا
يبقى متوسط عمر الإنسان (70 سنة)= 70 x 365 ألف= 255500000 (يعني 25 مليون و550 ألف سنة من أيامنا). إلى هذا الحد ليس هناك نسبة وتناسب بين الزمن والأبدية.
يوجد تشبيه للحياة كأنها حلم مَرَّ سريعًا. وربما التحدي أمام قصر الحياة وانفلاتها السريع ألا نظن أننا نملك الكثير من الوقت. هناك قصة قديمة عن 3 ملائكة جلسوا ليتفقوا على تدمير الكنيسة. قال الأول: نقنعهم بعدم وجود سماء. نلغي المكافأة فتنهار الكنيسة. ثم قال الثاني: نقنعهم بعدم وجود جهنم. نلغي العقاب فتنهار الكنيسة. ثم قال الثالث: نقنعهم أنه لا داعي للاستعجال. فحاز هذا الاقتراح على إعجاب الملاكين الآخرين.
يُشبه الموت أيضًا بالنوم- كما في قصة لعازر. طفلة سألت أباها.. ماذا يعني أن يموت الإنسان؟ قال لها: ألا تتذكرين حين كنا نخرج بالسيارة وتنامين فيها، فأحملك على كتفي، وأضعك في سريرك، وحين تستيقظين تجدين نفسك في سريرك وفي بيتك. هكذا الموت ننام ثم يحملنا الله وعندما نستيقظ نجد أنفسنا في بيتنا السماوي.
(ع5)
تَجرِفُهُم فَيكونونَ كالغَفوَةِ، وكعُشْبٍ سُرعانَ ما يزولُ.
الموت يُشبه هنا بالطوفان الجارف، الذي يحطم حياة الإنسان في غفوة. التشبيه عنيف.
ربما يذكرنا بسفر الجامعة حين يشبه الموت يحدث كما ”تؤخذ (السمكة) بشبكة مهلكة“، أو مثل عصفور يؤخذ في شرك أو فخ (جا  9: 12)، أو مثل انكسار جرة ماء، أو كوز ذهب أو حبل فضة (جا 11: 6).
 وفي النصف الثاني، الحياة تُشبه بالعشب grass، والتاريخ الإنساني كله يمكن أن يُشبه بالعشب الذي يُزرع، ثم ينمو، ثم يزدهر قليلاً، ثم ييبس، ثم يموت. يريد المرنم أن يؤكد على أن الحياة هشة ولا يمكن التنبؤ بها. لذا يقول الحكيم: ”لا تُهَلِّلْ لِيومِ الغَدِ، فهَل تَعرِفُ ما يَلِدُ اليومُ؟”. نحن لا نبتعد عن الأبدية إلا بفاصل نبضة قلبية واحدة.
(ع6)
في الصَّباحِ ينبُتُ ويُزهِرُ وعِندَ المساءِ يَذبُلُ ويَيْبَسُ.
ربما عندما يشعر الإنسان بقصر الحياة ينزع إلى اليأس والقنوط، لكن الفكر الكتابي حين يذكرنا بقصر الحياة، فهو يريد أن يترك فينا أثرًا جيدًا.. مثلاً: نراجع حياتنا، نعيد ترتيب أولوياتنا،   
(ع7)
نحنُ نَفنى بِغضَبِكَ ونرتَعِبُ بِحدَّةٍ غَيظِكَ.
ينتقل المرنم من فكرة أزلية الله إلى غضب الله، وهو أشد مأساة في الحياة. ومن قصر الحياة بشكل عام، إلى حياة شعبه وجيله. عاش موسى ورأى الموت بل الفتك في بني إسرائيل، في مرات كثيرة بسبب أخطائهم وتمردهم على الله.
(ع8)
تَظهَرُ آثامُنا أمامَكَ وخفايانا في نُورِ وجهِكَ،

(ع9)
فتزولُ أيّامُنا بغَيظِكَ وتَفنى سَنَواتُنا كالسَّرابِ.
يتحدث موسى عن شعبه.. وأن الله قادر أن يفنيه في لحظة، إذا لم يرحمهم.
(ع10)
سَنَواتُ حياتِنا سَبعونَ سنَةً،أو ثمانونَ إذا كنَّا أقوياءَ. زهوتُها تَعَبٌ وعَنَاءٌ،وتمرُّ سريعًا مُرورَ الطَّيرِ.
التذكير بالفناء قد يطال الإنسان الذي لم ينجز شيئًا في حياته، أو من يحقق إنجازات تخلد ذكراه. توليستوي بعدما حقق شهرة كبيرة، تذكر فناءه، وأنه عندما نظر للأمور بعد عشرات أو مئات السنين، وجد أنه سيطاله النسيان لا محالة. انسحب من الحياة، ولم ينقذه سوى مراقبته للفلاحين البسطاء، وتأكد أنه بدون الإيمان بالله، لا يصبح لأي إنجازات مهما عظمت أي معنى.
(ع11)
مَنْ يعرِفُ شِدَّةَ غضَبِكَ؟ بل أيُّ خوفٍ يجلِبُهُ غَيظُكَ.
الإجابة: ربما الملائكة الذين سقطوا.. الخطاة في الجحيم الأن.. غضب الله شيء لا يمكن التهاون فيه. جيد أن يعلم الإنسان أنه ”مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ “ (عب 10: 31).
(ع12)
علِّمْنا أنَّ أيَّامَنا مَعدُودَةٌ، فتَدخلَ إلى قلوبِنا الحِكْمةُ.
في ظل قصر الحياة وعدم يقينيتها، أشد ما يلزمنا هو الحكمة.. كيف سنعيشها؟ الحكمة هي التي ستدلنا على الأشياء التي يجب أن نغيرها والأشياء التي يجب أن نقبلها، وستعلمنا التمييز بين هذا وذاك.
(ع13)
إرجعْ يا ربُّ، حتى متى؟ وكنْ عَزاءً لِعبيدِكَ.
طلب جريء ومتجاسر أن يقول المرنم لله "ارجع"ـ وهي الكلمة اللتي تعني عادة التوبة، أو تغيير المسار. توقف يارب عن عقابنا، تحول عن معاقبتنا. وسؤال حتى متى؟ يمثل أضحوكة ومفارقة؛ لأن المرنم منذ قليل تحدث عن الزمن من منظور الله. لكنه ربما أراد أن يقول أن وقت التأديب طال علينا نحن، نريد أن نختبر حنانك وتعزيتك.
(ع14)
أشبِعْنا باكرًا مِنْ رَحمتِكَ، فنرنِّمَ ونفرَحَ كُلَ أيّامِنا.
لا يستسلم المرنم إلى الاكتئاب حتى وإن عرف بأن أفخر أيامه "تعبٌ وبلية"، لكنه ينطلق في الصلاة.. في هذا المزمور لا يذكر المرنم الله بأعمال خلاصية سابقة، وإنما يلجأ لفكرة أنك يارب كريم وسخي.. ولست محتاجًا لأن تعد علينا الأيام التي أكرمتنا فيها.. لأنك خارج حدود الزمن.. أما نحن فنهايتنا وشيكة دائمًا أمامك عينيك. فارحمنا.
(ع15)
فَرِّحْنا عَنْ أيّامِ عَنائِنا وعَنْ سِنينَ رَأينا فيها الشَّرَ.
إعطنا فرحًا يوازي ويعوض سنين تعبنا وإذلالنا. هذه الآية تذكرنا بما قاله بولس عن التعويضات السمائية ”إنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.“ (رو 8: 18)
(ع16)
دعْ فَضلَكَ يَظهَرُ لِعبِيدكَ، وجلالَكَ يتَجلَّى لِبَنيهِم.
لاحظ أن المرنم يعود يذكر الله بعلاقته بنا.. فنحن خدامه أو عبيده.. وهو السيد الكريم. ويذكره بوعد الله مع أبناء هذا الشعب.
(ع17)
أَنعِمْ يا ربُّ علَينا،واَحفَظْ لنا عمَلَ أيدينا. عمَلُ أيدينا اَحفَظْهُ لنا.
ليس قصر الحياة سببًا في اليأس، وإنما فرصة للصلاة. أن تفرح بعمل يديك هذا عطية من الله (راجع جامعة 5: 19، 20)، هذا الفرح يغمرنا لأي درجة؟ ”لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيرًا، لأَنَّ اللهَ مُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ.“


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق