عاش
جون لوك بين 1623- 1704 م، وهو أحد ثلاثة فلاسفة تجريبيين مهمين: جون لوك، جورج
بيركلي، ديفيد هيوم. ما الفرق بين الفيلسوف التجريبي والفيلسوف العقلاني، الأخير
يعتقد أن الإنسان يُولد ومعه بعض الأفكار الفطرية (الغريزية) الحاضرة لديه في الوعي،
والسابقة لكل تجربة. في المقابل الفيلسوف التجريبي يعتقد أن أي وعي بالأشياء لا
يتكون لدينا قبل أن ندركها بحواسنا.[1]
-
الفيلسوف التجريبي يعتقد في صيغة أرسطو التالية: ”لا شيء
يوجد في الوعي، دون أن يوجد قبلاً في الحواس.“
- رأى لوك أن الوعي بمثابة صفحة بيضاء قبل أن يحس بالأشياء.
ويشبه الوعي بغرفة مظلمة دون أثاث. ونبدأ بالحواس في ترتيب أفكارنا التي نتحصل
عليها بالتجربة، من انطباعات بسيطة إلى أفكار مركبة. ويعني بالتجربة experience : التفكير reflection والإحساس sensation .
- بالنسبة للإحساس قال إن الأحاسيس التي ينتجها نفس الشيء
تختلف باختلاف الظروف؛ الماء الفاتر سيكون دافئًا لليد الباردة، وباردًا لليد
الساخنة. وكذلك الألوان التي تعكسها البلورة تختلف باختلاف كمية الضوء الساقط
عليها. النار مثلاً تولد فينا الدفء عند مسافة معينة، وتولد فينا الألم عند مسافة
أقرب. واستنتج من ذلك إن سخونة المياه أو الألوان ليست خصائص أولية بل ثانوية
(ظاهرية) للمادة.
-
العقل صفحة بيضاء لو يُخط عليها حرف ولا فكرة واحدة..
بما في ذلك فكرة وجود الله (وهو بهذا يعارض ديكارت). وقال: ”لو كان في النفس معنى
غريزي عن الله لآمن به جميع الناس.“[2]
- في تجريبيته يعارض ديكارت أيضًا وفكرته عن الحتمية
الحدسية أو الأفكار الفطرية الغريزية. ويفند آراء ديكارت بأن الأفكار الفطرية هي
1- مُسلَّم بها جميعًا من الناس بلا استثناء. 2- العقل البشري يدركها بمجرد وعيه
ويقظته. في النقطة الأولة قالك إن في قبائل متوحشة لا تسلم بها وحتى لا تعلم بها.
وفي النقطة الثانية قالك الطفل لا يعي هذه الأمور. فمثلاً قانون عدم التناقض
(استحالة أن يكون الشيء وألا يكون في وقت واحد)، هل هذه الفكرة فطرية موروثة فينا
أم مكتسبة من الحياة.[3]
-
يقول لوك إن الأطفال والبلهاء لا يدركونها بالرغم من
بداهتها.. وبالتالي ليست فطرية وإنما مكتسبة. (بالطبع واجهت هذه الفكرة اعتراضات)
- له أفكار مهمة عن الحرية الإنسانية في كتابه ”مقال عن
الفهم البشري“، ويقول فيه: ”لنفترض أن رجلاً حُمل، وهو نائم، إلى غرفة يوجد بها
شخص يتوق إلى رؤيته والتحدث معه. ثم أغلق عليه الباب، ولا يقدر على الخروج. ثم
يستيقظ ويفرح ليجد نفسه في رفقة ممتعة، وهو ما يجعله يمكث راضيًا.. ويفضِّل إقامته
عن المغادرة. أنا أسال، هل هذه إقامة طوعية؟ لا أعتقد أن أحدًا سيشك في هذا. ومع
ذلك، كونه محبوسًا بالداخل، فمن الواضح أنه لا يملك الحرية الفردية liberty في ألا يبقى، ليس لديه الحرية
للخروج. لذا فإن الحرية الشخصية liberty لا تتعلق
بالاختيار أو التفضيل. وإنما تتعلق بالشخص القادر على أن يفعل أو يُمسك عن أن
يفعل، حسبما يختار عقله أو يوجهه.
-
وبناء على ذلك، الفعل الطوعي الكامل ليس فعلاً حرًا
عندما يُفعل لأن فاعله من خلال التلاعب الخارجي حصل له غسيل مخ، وصار عنده دوافع
غير أصيلة للفعل.
- في النهاية حرية الإرادة فكرة معقدة للغاية ، ومن
يتسرعون لنفيها أو وجودها، لا يقومون بواجبهم في تعريفها بشكل مفصل. حرية الإرادة
مثل الزمن.. كثيرون يظنون أنهم يفهمونها والحقيقة عكس ذلك.[4]
- جون لوك له إسهامات في مجال فلسفة السياسية، وكتابته
ألهمت في صياغة الدستور الإمريكي، ويرجع إليه فكرة تقاسم السلطات، والتاكيد على
الحرية الشخصية، وحرية الاعتقاد التي ترعاها الدولة، وبالتالي تعتبر أفكاره أساس
الديمقراطية الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق