القديس
أغسطينوس في كتاب الاعترافات الشهير، وفي الفصل الحادي عشر بيناقش فكرة طبيعة الزمن. يبدأ الفصل بعبارة: ”هل تجهل يارب، والأزلية ملك لك، ما أقوله لك، أم أنك
في الزمن ترى ما يحدث؟ وما النفع إذًا من سرد أخباري الكثيرة بالتفصيل؟ طبعًا، لا لكي
تعلمها مني، بل لكي أوقظ في قلبي وقلوب قارئيها عاطفة فنهتف بصوت واحد: «عظيم هو الرب
وحميد جدًا.» (مز 96: 4).
بيرد
أغسطينوس في الفصل ده على الأفلاطونيين اللي كانوا بيؤمنوا بأزلية الكون وبأزلية
المادة.
- بالنسبة لأزلية المادة، أو وجود مادة قديمة أو أولية صنع
منها الله الكون. وليس من العدم.. كان رد أغسطينوس مخاطبًا الله: ”أنت لم تصنع الكون في هذا الكون.. إذا لم يكن مكان.. ولا أمكن أن يكون قبل أن يُخلق. لم تستعمل يداك
شيئًا لتكوين السماء والأرض، فمن أين أتتك هذه المادة.. التي خلقت منها كل شيء؟ وأي
موجود لا يدين لك بالوجود.[1]
- بالنسبة لأزلية الكون زمنيًا، كان الأفلاطونيين بيستخدموا
سؤال شهير هو: ”ماذا كان الله يفعل قبل أن يخلق السماء والأرض؟ لو كان معندوش شغل،
فليه مفضلش كده على طول، ولكن لو ظهرت عنده إرادة جديدة لخلق جديد.. فهل يبقى مجال
للتحدث عن أزلية حقيقية؟“
بيقول أغسطينوس: أنا مش هارد بالطريقة المحرجة المعروفة: كان الله بيعمل إيه؟ كان بيجهز جهنم للي عندهم الفضول ده!![2] ولكن بيجيب كالتالي: بيقول إن الزمن ده من صنع الله ”الأزمنة
منك وحدك تستمد وجودها.“ ولا يمكن أن يكون زمن ”قبل“
أن تصنع أنت الزمن! ولو مفيش وقت قبل السماء والأرض..
إزاي يسألوا عن عملك آنذاك “Then” . داخل الزمن
فقط نستطيع أن نتحدث عن ”بعد“، و”قبل".“
وبيخاطب ربنا: أنت.. أنت وسنوك لا تنقضي. سنوك لا تروح ولا
تجيء.. غير أن سنينا نحن هي اللي بتروح وتجيء.. سنينك كلها زي يوم واحد.. ويومك لا يتجدد كل يوم.. يومك مش بيسيب مكان للغد.. ومش بيجي بعد الأمس. يومك هو الأزل.. وبناءً على كده بيشرح معنى آية ”أنا اليوم ولدتك“ بإن الابن كائن
مساوي في الأزلية مع الله.[3] وبالتالي بيأكد أغسطينوس أنه لا يوجد وقت
(أو زمن) لم تصنع فيه شيئًا لأنك صنعت الوقت عينه.. ولو كان الوقت دائم الوجود لبطل أن يكون وقتًا.. (وكان أزلاً)
بينتقل
بعد كده لشرح لماهية أو طبيعة الزمن، وبيقول: فما هو الوقت (الزمن) إذن؟ وبيقول: لو
مسألتنيش.. أعرفه كويس، أما إذا سُئلت وأردت تفسيره عنه.. فلا أستطيع. وبيقول: إن الحاضر
والماضي والمستقبل.. منقدرش نقول على أي منها إنه موجود.. الماضي مضى والمستقبل آتٍ.. والحاضر لو بقى دومًا من غير ما يتلاشى في الماضي فهو ليس زمانًا بل أزلاً.. وبالتالي إن كان علشان الحاضر يبقى زمن لازم يفنى في الماضي.. إزاي نأكد إنه موجود طالما إن السبب الوحيد لوجوده هو إنه ميبقاش موجود. وبالتالي إن حق لنا أن نقول إن الوقت موجود .. ده بس علشان إنه يسير نحو
اللاوجود.[4]
وبالتالي
الزمن ليس له وجود إلا في وعينا فقط.. العدم لا يُقاس.. ما لا وجود له لا يُقاس.. حتى
لو قلنا السنة اللي جاية.. الشهر اللي جاي.. الساعة اللي جاية.. ”الساعة نفسها مؤلفة من أجزاء هاربة.. فكل ما ينفصل عنها يمضي، وما لا يزال
فيها مستقبل.“[5]
بعد كده بيقول محدش بينكر إنه في 3 أزمنة..
ماضي وحاضر ومستقبل. لكنه بيقول: الحاضر بس هو اللي موجود.. لا وجود للمستقبل ولا للماضي.. الأصح أننا نقول: في الكون أزمنة ثلاثة: حاضر الماضي، وحاضر الحاضر، وحاضر
المستقبل.. وهذه الطرق الثلاثة موجودة في عقولنا.. ولا أرى لها وجودًا إلا فيه.. حاضر الأشياء الماضية هو الذاكرة.. حاضر الأشياء الحاضرة هو الحدس المباشر..
وحاضر الأشياء المستقبلة هو الترقب..
هل
الزمن يعتمد على الحركة؟ هو متحفظ.. لأنه بيذكر قصة وقوف الشمس بصلاة يشوع ومع ذلك
كان الزمن بيتحرك.. (النظرية النسبية والزمكان). مرة أخرى أغسطينوس يقف متحيرًا أمام
معضلة الزمن.
د.
زينب الخضيري بتقول إن أغسطينوس فجر كل إشكاليات الزمن وأبرز صعوبة الوقوف عليه ببراعة
شديدة.. كاشفًا بذلك على قدرة فلسفية فائقة -حتى وإن تركها معلقة وبلا حل.[6] كمان د. زينب الخضيري بتقول: إن الزمن عند أغسطينوس هو ”الحاضر الغامض الذي يسحقه، من جهة، الماضي الذي
ابتلع بلا عودة، ومن جهة أخرى المستقبل الذي لا يمكن الحديث عنه بعد.“ ويترتب على ذلك أن أغسطينوس رأى أن الوجود الحقيقي هو ذاك الوجود المتحرر
من الزمن، أو التحرر من الوقت الذي تشعر به طبيعتنا الإنسانية المادية الملوثة بالخطية
والتي فرضت علينا الحياة في الزمان. وبتقتبس من
كتاب ”مدينة الله“ ما يلي: ”إن زمن هذه الحياة ليس إلا هروبًا نحو الموت، لا مجال فيه
لأن نتوقف أو نتباطأ. وكلٌ فيه يسير بذات السرعة ويندفع إلى نفس النهاية.“ (مدينة الله،
الفصل 13: 10).[7]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق