هل يمكننا كآباء وأمهات
أن نتعلَّم التربية من شخص الله كأب؟ نعم بكل تأكيد. لقد دعانا الله أولاده،
وأمرنا يسوع أن نصلي هكذا "يا أبانا". كذلك يحمل الله بصمة الأمومة في
شخصيته، فنجده يقول: "كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا" (إشعياء
66:33). فالأمومة والأبوة نابعان في الأصل من الله الذي خلق الإنسان –ذكرًا وأنثى-
على صورته ومثاله. على أرض الواقع، نجد أن الله في القديم كان له شعب اتسم بالعند
والتعنت والتذمر، فحاول الله كثيرًا، ومن خلال أنبيائه، أن يعلمهم الطاعة. والسؤال
هنا.. هل يمكن أن نتأمل في الأسلوب التربوي الذي انتهجه الله للوصول لهذه الغاية؟
بلا شك، إن فعلنا ذلك سنخرج بدروس عميقة ليست عن التربية فحسب، وإنما في كل مناحي
الحياة.
في هذه السلسلة من
المقالات نقدّم المبادئ الكتابية في التربية، وتحليلاً لنماذج من العائلات التي
ورد ذكرها في الكتاب المقدس لنتعلم من سلبياتها قبل أن نتعلم من إيجابياتها. في
البداية دعونا نشرح ببساطة أربعة أساليب للتربية يمكن تلخيصها في الرسم المقابل.
الأسلوب المتساهل:
وفيه يخشى الآباء والأمهات فرض أي نوع من العقاب أو التبعات على أولادهم حتى لا
يتعرضون للألم. يمكننا بسهولة أن نتخيّل هؤلاء الأبناء في بدايات الشباب، فنجدهم
لا يعترفون بسهولة بنتائج أفعالهم، ويتجنبون تحمل المسؤولية، ويتوقعون دائمًا أن
تسير الأمور وفقًا لرغباتهم.
الأسلوب المهمل:
وفيه تغيب مظاهر الحب ومظاهر الحزم على حدٍ سواء. وتكون علاقة الأبناء بوالديهم
ضعيفة جدًا للغاية، لأنهم لا يشعرون بمحبتهم أو خوفهم عليهم. هذا الأسلوب التربوي
هو الأشد وطأة على نفوس الأبناء، إذ يُتركون بإحساس من العزلة والغربة.
الأسلوب المتسلط:
وهنا يُشبَّه البيت بالثكنة العسكرية. لا يتحرك الأبناء يمينًا أو يسارًا إلا
وفقًا لقواعد صارمة في ظل غياب مظاهر الحب. يشعر الأبناء بالاضطهاد والتعسف،
وحينما يشتد عودهم يتلمسون أية فرصة للتمرد والعصيان، وربما الهروب من البيت الذي
يمثل سجنًا بالنسبة لهم.
أخيرًا الأسلوب
المتوازن
الذي يجمع بين الحب والحزم. هنا يشعر الأبناء بالقيمة والقبول بسبب المحبة غير
المشروطة التي ينعمون بها، ويكبرون بإحساس عميق باحترام لرموز السلطة في حياتهم.
وبالتالي ستجدهم يحترمون معلميهم في المدرسة ومديريهم في العمل وشرطي المرور في
الشارع.
ربما أبرز مثال واضح عن
الأسلوب المتساهل في الكتاب المقدس يظهر في قصة عالي الكاهن وأولاده. لقد كان ابنا
عالي الكاهن أشرارًا جدًا. وربما أدرك ذلك عالي وقرر ألا يبذل الكثير في إصلاحهما.
لقد استهان ابنا عالي الكاهن بالذبيحة التي وضع الله شروطًا لتقديمها، وبدلاً من
أن يدعوا الناس إلى القداسة، كانا يضاجعان النساء اللاتي كن يخدمن في خيمة
الاجتماع. ولا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال أن نحمّل عالي الكاهن كل المسؤولية فيما
وصل إليه ابناه من شرور عظيمة؛ فهناك عوامل أخرى، وهناك استعداد الأبناء ومدى
تجاوبهم مع عمل نعمة الله. ولكن ما هو الشيء الذي كان عالي الكاهن مقصرًا فيه؟
لنقرأ جزءًا من القصة:
"وشاخ عالي جدًا،
وسمع بكل ما عمله بنوه... (أو تحقق من سلوكياتهم المشينة). فقال
لهم: لماذا تعملون مثل هذه الأمور؟ (ربما كان من الأفضل أن يقول لهم: "هل
تدركون بشاعة أخطائكم؟"؛ لأن معرفة السبب لن تفيد شيئًا) لأني أسمع
بأموركم الخبيثة من جميع الشعب. لا يا بنيّ، لأنه ليس حسنًا الخبر الذي أسمع.
تجعلون (بقدوتكما السيئة وبحكم وظيفتكما) شعب الرب يتعدون (أي يتجاسرون
على فعل الشر). إذا أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله. فإن أخطأ إنسان إلى الرب
فمن يصلي لأجله؟ (وهنا بيّن لهما أن قبح خطيتهما يتمثل في أنها موّجهة لشخص
الله مباشرة)"
(1صموئيل2: 22-25)
ولكن ابنيّ عالي كانا
قد تماديا في العصيان، وبالتالي لم يسمعا لأبيهما، وكأنه لم يقل شيئًا. وربما نقول
ماذا كان بإمكان عالي أن يفعل؟ هل كان بإمكانه أن يمسكمهما على ركبتيه ويضربهما
على مؤخرتيهما؟ لقد فات أوان هذا؛ فقد كبرا ولن يفيد هذا بشيء. ونتساءل أيضًا..
لماذا لم يستجب ابنا عالي لكلمات التوبيخ القوية والواضحة التي وجهها لهما عالي؟
وماذا كان بإمكانه هو أن يفعل أكثر من ذلك؟
إننا نجد عتابًا من
الله لعالي على لسان رجل الله؛ إذ قال له: "وتكرم بنيك عليّ..."
(1صموئيل2: 27).. وهذا معناه أن الله لم يكن راضيًا على موقف عالي من أبنائه، ورأى
أن ما فعله لم يكن كافيًا. ثم نأتي إلى كلام الرب للطفل صموئيل عن مصير عائلة عالي
لنعرف وجه التقصير لدى عالي. يقول الرب لصموئيل: "وقد أخبرته (عالي) بأن أقضي
على بيته إلى الأبد، من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا به اللعنة على
أنفسهم، ولم يردعهم" (1صموئيل3: 13).
من هنا نعرف أن تقصير
عالي هو عدم اتخاذ إجراء رادع مع أولاده، واكتفى فقط بكلمات التوبيخ. كان بإمكانه
أن يفصلهما من الخدمة ويأتي بلاويين آخرين، وكان هذا في نطاق سلطته. ولكن أغلب
الظن أن عالي استمر في الطريق أو النهج الذي تعوّد عليه مع أبنائه، واكتفى بكلمات
التوبيخ، ولم يتخذ معهم أية إجراءات رادعة. هذه الإجراءات الرادعة يسميها البعض
"العقاب"، ويسميها البعض الآخر "التأديب". ما الفرق بينهما،
وما هو الأسلوب الأمثل للتطبيق؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق