الأربعاء، 23 مايو 2018

التربية الكتابية- يوكابد أم موسى



تزوجت يوكابد من عمرام، وكانا كليهما من سبط لاوي في زمن وجود شعب بني إسرائيل في مصر. كانت الظروف وقتها في غاية الصعوبة. وكان الفرعون حينذاك شبه مختل عقليًا. فعندما شعر بالزيادة العددية لشعب بني إسرائيل، أمر بقتل أطفال العبرانيين الذكور، بإلقائهم في النهر.. وربما ظن فرعون أن هذا الإجراء فيه إكرام لإله النيل أو التماسيح المقدسة. من ناحية أخرى، أرهق الشعب جدًا في العمل بالسخرة. وهنا ربما نتخيل يوكابد وقد ذهب زوجها للعمل بالسخرة غائبًا عن المنزل والأولاد لفترة طويلة. وهنا يظهر دور الأم في الظروف الصعبة.

من اللافت للنظر أن الوحي يقول إن النساء العبرانيات كُنَّ يتميزن بالقوة، وكُنَّ يلدن قبل أن تأتي القابلة، وهذه شهادة القابلتين أنفسهما. وإذا افترضنا صحة جانب من هذه الحقيقة، فإننا نستنتج على الفور أن الظروف الصعبة التي مرت بها العائلات في هذا الأثناء جعلت من الأمهات أقوياء، عنيدات.. تحدين طبيعتهن الرقيقة، وأخذت دورًا استثنائيًا. وإننا ننبهر بهذه القدرة المدهشة للمرأة عندما تشتد قسوة الظروف عليها.

لقد قامت يوكابد بدور الأب في غياب زوجها، وشجعت أبناءها حتى ينضجوا ربما قبل الأوان. ففي مثل هذه الظروف الصعبة لا يجب أن يطالب أحد بحقوقه كاملة؛ لأن الجميع يدفع ثمن أوضاع غير طبيعية. ومن هنا نظن أن شخصية مريم ابنتها نضجت قبل الأوان.. حيث أقدمت مريم لتنفيذ الخطة التي رسمتها أمها، والتي أرسلها الله لها بعد صلوات وتضرعات على مدار أسابيع في محاولة لوقف عقارب الساعة؛ لأن الطفل كلما كان يكبر، كان صوته يزداد قوة، وتزيد احتمالية اكتشاف الأمر.

من الطبيعي أن كل أم في هذه المرحلة كانت تصلي لأن يرزقها الله بنتًا وليس بولد. لأنه كم من الصعب أن تتحمل أي أم مقتل أحد أبنائها. ولكن فترة الحمل مرت سريعًا، وإذا بها ترى صبيًا في غاية الجمال أمامها. ومنذ هذه اللحظة صارت حياة جميع أفراد العائلة في مهب الريح.

يوكابد امرأة الإيمان... كانت يوكابد تثق طيلة الوقت في عناية الله لها ولعائلتها. وإن الرب عنده "للموت مخارج" (مز86: 20)، بل والأكثر من ذلك آمنت أن ابنها هذا سيكون له دور في خلاص شعبه لما له من تفرد؛ إذ كان يحبه الجميع بمجرد أن يقع نظرهم عليه. كذلك آمنت أن خطتها ستنجح، وإلا لمّا أقدمت عليها. لأنه في حالة اكتشف القصر الفرعوني هذه الحيلة، لحُكم على جميع أفراد عائلة يوكابد بالموت. ربما حاول أحد أن يقنعها أنه لا مفر من هذا المصير المحتوم، والأفضل لها أن تسلِّم ابنها لتماسيح النهر. ولكن عاطفة الأمومة لديها كانت أكثر من طبيعية إذا امتزجت بالإيمان بالإله الحي.

يوكابد نموذج الشجاعة... وضعت خطة رائعة وانجزتها باتقان، وشجعت ابنتها لتراقب المشهد من بعيد بينما وقفت من بعيد لتصلي. بشجاعتها قاومت العالم المصمم على قتل ابنها. وليتنا ننظر إلى الثقافة المحيطة بهذا المنظور؛ ونقف بشجاعة أمام الثقافة التي تحاول قتل أبنائنا بسموم أفكارها. لا شك أن السنوات القليلة التي ارضعت فيها يوكابد ابنها موسى، كانت كافية لبناء علاقة قوية معها، وبناء ثقة (ربما من خلال النظرات أو اللمسات الحانية) بينها وبين ابنها، هذه الثقة ربما ساعدت كثيرًا في إطاعة موسى لها في السنوات اللاحقة، لذا لا نعجب عندما قيل عن موسى : "بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله.. " (عب12: 24-25).

وللتوضيح أكثر أتذكر قصة لابن أحد الخدام، إذ مرض هذا الابن مرضًا شديدًا، وأخبر الأطباء والده أن ابنه على وشك الموت. وجد الخادم صعوبة في إخبار هذا الأمر للابن، ولكن عندما قرأ جزءًا من الإنجيل معه، استجمع شجاعته وأخبره بالأمر ثم صمت وقال: "هل تخاف من لقاء يسوع؟" فقال له الابن: "لا، إذا كان يسوع مثلك يا أبي!"

لقد رأى موسى إله العبرانيين في عيني أمه وهو متكئ على صدرها ليرضع. ولقد عوّض الله يوكابد وأقر الله عينيها عندما رأت أبناءها يكبرون وينمون في القامة أمام الله والناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق