الاثنين، 16 ديسمبر 2019

كلسوس: من أشهر منتقدي المسيحية- ج5



هناك نقد آخر مهم يعتبر نسخة أخرى من حُجة جالينوس ضد فكرة أن ”كل شيء مستطاع عند الله“. يناقش كلسوس هذه العبارة من حيث اتصالها بالعقيدة المسيحية عن قيامة الأموات. يوجه كلسوس بعض نقده الحاد إلى فكرة أن الله يعكس عملية التحلل الطبيعية التي تحدث للجسد الإنساني أو أن الجسد يمكن أن يُقام ثانية بعد تعفنه: ”لأنه أي نوع من الأجساد، بعدما تفسد تمامًا، يمكن أن تعود إلى طبيعتها الأولى، وإلى نفس الحالة التي كانت له قبل أن يتحلل؟ ولأنه ليس لهم ما يجيبون به على ذلك، فإنهم يهربون إلى أكثر ملاذٍ غريب بقولهم ’كل شيء مستطاع عند الله‘. لكن في الواقع لا يستطيع الله أن يفعل ما هو مخزٍ، ولا يستطيع أن يرغب فيما هو مخالف للطبيعة.“ (ضد كلسوس 5: 14). يظهر موضوع قيامة الأموات في نهاية الزمن وقيامة يسوع بشكل متكرر في كتاب كلسوس. وكما لاحظ أوريجانوس عن كلسوس أنه ”كثيرًا ما وبخنا عن القيامة“ (ضد كلسوس 8: 49)، وهو ما يشير إلى أن النقاد الوثنيين أدركوا أن القيامة تمثل أحد أهم العقائد المسيحية من حيث مركزيتها وتفردها.
لقد رد أوريجانوس على هذه النقطة موضحاً أن الكلمه أخلى ذاته بسبب "حبه للبشر" (ضد كلسوس 15:4)، حتى "يستطيع البشر إستقباله" (ضد كلسوس 15:4)، و لكن الكلمة "لم يتغير من الجيد إلى السيئ، لأنه لم يفعل خطية، ولا [تغير] من الجمال إلى الخزي، لأنه لم يعرف خطية. ولا عبر من السعادة إلى البلية، فعلى الرغم من أنه وضع ذاته إلا أنه كان سعيداً" (ضد كلسوس 15:4)، أخيراً يقول أوريجانوس "فأيضاً الطبيب الذي يرى أموراً رهيبة ويلمس جروحاً بغيضة لكي يشفي المريض، لا يعبر من الجيد إلى السيئ، و لا من الجميل إلى المُخزي، و لا من السعادة إلى البلية، فعلى الرغم من أن الطبيب يرى أموراً سيئة ويلمس جروجاً بغيضة لا يتحاشى كلياً إحتمالية سقوطه في نفس الحالة. و لكن هو من يشفي جروح أنفسنا من خلال الكلمة الإلهية فيه، غير قادر على أي شر. فإذا كان الكلمة الإلهية الخالد قد اتخذ جسداً بشرياً و روحاً بشرياً، ....، فليعلم أن الكلمة بقي [كما هو] كلمة بالجوهر. فهو لم تألم شيئاً من الجسد ومن الروح" (ضد كلسوس 15:4). فحسب اوريجانوس التجسد هو نابع من حب الله للبشر، لكي يستطيع البشر إستقبال الله، ولكن هذا التنازل أو الإتضاع لم يؤثر على صفات الكلمة الإلهي الأزلي، فهو الطبيب الحقيقي الذي يشفي البشرية دون أن يتأثر هو، بل يؤثر على جميع البشرية.

لقد أرجع كلسوس الصعوبة اللاهوتية للقيامة إلى الفهم المسيحي عن الله، وبالأخص في علاقة الله بنظام الخليقة؛ فقد رأى أنه لم يكن للمسيحيين نظرة عقلانية عن الإله. وبدلاً من الاعتراف بأن الله كان خاضعًا لقوانين الطبيعة والعقل، آمن المسيحيون بإله يقف فوق وضد الطبيعة ، وبالتالي كان قادرًا أن يفعل ما يحلو له بصرف النظر عن إلى أي مدى يسبب هذا تخريبًا لنظام العالم. يقول كلسوس: ”بالنسبة للجسد، المملوء بأشياء ليس من اللياقة أن نذكرها... فإن الله لا يرغب ولا يقدر أيضًا على أن يجعله أزليًا بخلاف العقل. لأنه نفسه هو عقل كل الموجودات. لذلك فهو لا يستطيع أن يفعل أي شيء يناقض العقل، أو صفاته“ (ضد كلسوس 5: 14).  الإله الذي يخالف العقل لا يستحق العبادة.
لكن أوريجانوس يرد على هذه الفكرة بالتاكيد على أننا لا نقول بأننا نقوم بنفس الجسد الذي يتحلل ويتعفن، بل بجسد آخر يناسب الحياة الأخرى، أي سيطرأ على الجسد تغيير للأفضل. ثم يقتبس من 1كو 15 مؤكدًا أن الجسد الذي يُزرع يختلف عن الجسد الذي يقوم. كان كلسوس قد قال إن رجاءنا في قيامة نفس الجسد المتعفن هو ”رجاء الديدان“، لأن الديدان تشتهي الجسد المتعفن؛ لكن أوريجانوس أوضح بهذا أن رجاءنا ليس رجاء الديدان لأن نفوسنا تشتهي جسدًا مكرمًا وممجدًا وليس جسدًا متعفنًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق