الاثنين، 15 يوليو 2019

الله ليس مسببًا للشرور- باسليوس الكبير


بيانات الكتاب
عظة للقديس باسليوس الكبير ترجمها عن اليونانية د جورج عوض
عظة للقديس باسليوس الكبير كتبها بعد أن حدثت نكبات في عهد ق باسليوس.. فتساءل الناس: هل الله مسبب للشرور؟ ق باسليوس بيقول إن الناس بعد الضيقات الكبيرة ممكن يقولوا ربنا مش موجود، كنه بيرد عليهم: ”إن لم يوجد الله الذي يري كل الأمور، وإن لم يوجد الله الذي يجازي كل واحد حسب أعماله، إذًا فما الذي يمنع أن نظلم الفقير ونتسلط عليه ونقتل الأيتام؟“- سؤال منطقي. وبيعتبر إن اللي بيقول الله مسبب للشرور زي اللي بيقول مفيش إله. ”خطية الاثنين واحدة، لأن الأول والثاني ينكران الله الصالح“. فالناس سألت: طب الأوبئة والشرور دي منين؟ بيرد ق باسليوس ”لن نعاني شيئًا بدون أن يكون له إرادة في ذلك“ (ص 20). وبيقول إن في شرور تتوقف علينا زي الظلم والإنحلال الخلقي والقتل والدسائس- أما المرض الجسدي وفقدان أحد الأحباء فهي تأتي من الرب الصالح والحكيم لفائدتنا. وبيقول إن الموت بيجي في الوقت المناسب في النهاية اللي حددها ربنا منذ البداية.
وبيقول إن ”المجاعات والسيول هي نكبات مشتركة تأتي على المدن والأمم لكي توقف وتحجم فعل الشر المتفاقم“ وهي بمثابة إجراء قاسي زي الطبيب الذي يبتر عضوًا ولا نتهمه بأي اتهام. لأن ”الخطايا هي سبب دمار المدن وليس الله المنزه عن أية تهمة“ (ص 23).
ثم يشرح ق باسليوس بعض الآيات الملتبسة زي إن الله مصور النور وخالق الظلمة (إش 45: 7)، وبيقول إن هنا ربنا بيوصف نفسه كخالق لكل الخليقة حتى لا تظن بوجود إلهين أو آلهة متعددة. ”خالق الشر“ معناها اللي بيغير الشر!!! وبيستشهد بآيات بيجي فيها الفعل ”خلق“ بمعنى يجدد زي آية ”قلبًا نقيًا أخلق في“.. هذا التكتيك استخدمه الآباء في الرد على الأريوسيين لما اعتمدوا على آية أمثال 8: 22 ”الرب قناني أو خلقني أول طرقه“.[1] وبالتالي الله يغير الشر إلى سلام. ثم يقول إم شرور الحروب تسقط على من يستحقون العقاب زي سدوم وزي أورشليم لما رفضت المسيح.
آية تانية هي ”أنا أميت وأحيي“، وبيقول إن دي تتفهم بأن الشر وبالعصا الله يشفي.. ويميت الخطية لتحيا الفضيلة. آية تالتة في عاموس هي ”هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟“ مرة أخرى بيعتبره ألم إصلاحي ”لكي يوقف الظلم قبلما ينتشر ويمتد.. مثل تيار النهر الذي يوقفونه بسد أو بجدار متين“ (ص 27). نفس المعنى ده قريناه في المربي للقديس إكليمندس السكندري الكتاب الأول.
بالنسبة للكوراث الطبيعية وأمراض الجسد هدفها هو ابتعاد الإنسان عن الخطية ”الطبيب يشفي المرض لكنه لا يتسبب في حدوث المرض نفسه“ (27).. قصد ربنا هو تهذيب البشر.. ”أما الشر الحقيقي فهو الخطية“ (28). يقر ق باسليوس إن عدل الله ينزل عقوبات لتهذيب الإنسان.. وبيدي مثل على كده قصة داثان وابيرام اللي ابتلعتهم الأرض ويعلق: ”بهذا العقاب طبعًا لم يصيرا في حالة أفضل (لأنه كيف يحدث هذا طالما نزلا إلى الهاوية؟) ولكن بهذه العقوبة القاسية صار الباقين أكثر تهذيبًا“ (28- 29).
ثم يذكر مثال فرعون اللي كان آنية غضب غير قابلة للاستخدام وجديرة بالفناء وإن ربنا كان ينبغي أنه يهلكه لأنه ”كان غير قابل للشفاء. لقد قسى الله قلبه بتأجيل العقاب فيزداد شرًا ويظهر هكذا حكم الله العادل“ (30). وأن ربنا تدرج معاه بعقوبات صغيرة حتى يلين لكنه احتقر أناة الله.
ثم يناقش مسألة الشر بحسب الحجة الأفلاطونية ”الشر ليس له جوهر، فالشر هو غياب الصلاح“. زي العمى.. الشر لم يخلق لكن ق باسليوس مش بينكر الشر وتأثيره وبيقول إننا شايفين الشر موجود وفعله ظاهر. فكيف نقول ليس له وجود؟ بيقول ربنا خلق الجسد اللي ممكن يمرض والنفس اللي ممكن تميل للشر.. طب ليه النفس تقبل فعل الشر؟ الإجابة هي: لأن لها حرية إرادة تتناسب مع الكائنات العاقلة. ”والله لم يخلق الموت لكننا جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة“ (34).
ثم يجيب على سؤال افتراضي: طب ليه ربنا لم يمنحنا طبيعة لا تميل للشر؟ بيقول ق باسليوس كده تبقى عبد.. والله لا يحب أن ينفذ ”أمره عن إجبار“، ”والفضيلة تتحقق بالإرادة الحرة وليس بالإجبار“.. اللي بيعترض على ربنا إنه مخلقهوش بطبيعة لا تميل للشر ”بيحتقر طيعته العاقلة“. ثم يوصي ق باسليوس ”ليتنا نتوقف عن تقييم أعمال الله الحكيم. وإن غابت عنا مقاصد خططه فيا ليت توجد داخل نفوسنا عقيدة واحدة وهي ان الله الصالح لا يصدر عنه أي شر“ (35).  
ثم يجيب على سؤال افتراضي آخر وهو ”من أين أتى الشيطان؟“.. والإجابة هي نفسها اللي في تفسير الشر عند البشر: الشيطان مخلوق يتمتع بحرية الإرادة والاستعداد الشخصي. وبيقول جملة خطيرة إن الله استخدم خداع الشيطان كوسيلة لكي تتدرب نفوسنا (41). ربما يكون ده أن ربنا بيستخدم حتى نتايج دخول الشر في العالم اللي كنا إحنا السبب فيه لمصحتنا برضو في النهاية.
ملاحظاتي على النص:
1- الدفاعيات الحديثة فعلا بتقسم الشر لنوعين: الشر الأخلاقي Moral Evil اللي ناتج عن اختيارات الناس الأخلاقية من قتل وسرقة.. إلخ. وده ميزه ق باسليوس في كتابه، والنوع الثاني هو شر الطبيعة  Narural Evil وده الزلازل والبراكين والكوراث الطبيعية عمومًا.. الدفاعيات الحديثة مش بتنكر كمان دور الإنسان في النوع الثاني بسبب الاستخدام البشري الجائر لموارد الطبيعة.. فمثلا الأوزون لما خرمناه بالإنبعاثات الضارة زادت درجة حرارة الأرض مما أدى إلى ذوبان الجليد.. إلخ.
2- عجبني ق باسليوس اللي لما استخدم الحجة الأفلاطونية الشهيرة للشر وأنه الشر ليس له جوهر لم ينكر مع ذلك تأثيره الواضح، إن تي رايت ليه رأي مشابه هنا ”هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن هذا شيء ضبابي أو غامض أو يجب أن نقلق بشأنه. إذا وجدت حفرة في الطريق حيث أتوقع أرضًا صلبة، فإن حقيقة "عدم وجود شيء هناك" خطيرة جدًا سواء كنت أسير على قدميّ أو بالدراجة أو أقود سيارتي. كذلك حقيقة غياب درجة من السلم النازل إلى البادروم في منتصفه لا تعني شيئًا غامضًا – حين أتحسس طريقي في الظلام.“ 
3- النقطة الثالثة هي الالتجاء لمحدودية الإنسان وعدم قدرتنا على فحص حكمة الله المتعالية في تفسير بعض الأحداث.. وده بيتسخدموه المدافعين المعاصرين، فمثلاً واحد اسمه سكوت أولفنت بيقول: ”المسافة بين الله والخليقة مسافة شاسعة جدًا يمكن تشبيهها بالمسافة الفكرية بين الإنسان وقواقع البحر“. وحتى في عبارة شهيرة لما بنسأل لماذا ومش بنعرف: نحن نعرف لماذا لا نعرف لماذا! We know why we don’t know why! والإجابة هي: لأننا محددون!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق