أحد الملامح التي لا يُسلط عليها الضوء، هو الاحتفال بالمسيح كعريس في أسبوع الآلام، وهذا من شأنه أن يغيّر نظرتنا لأسبوع الآلام من اعتباره أسبوع للنوح إلى أسبوع للفرح بالمسيح العريس. يؤكد هذا الملمح أيقونات للصلبوت يُكتب عليها الكلمة اليونانية (nemphios) أي ”العريس“، وبعض قراءات البصخة، مثل مت 22 ”مَثل عُرس ابن الملك“، ومَثل ”العشر عذارى“، ونبوات كثيرة.
(ملحوظة: استخدمت أفكارًا كثيرة وردت في الكتاب السابق Jesus the Bridegroom).
لنبدأ
جذور الحكاية، العهد القديم يصور الرب يهوه كعريس. كيف؟
1-
فكرة العهد مرتبطة بأمانة الله تجاه شعبه، وعدم انجرار الشعب وراء آلهة أخرى.
والكتاب بيوصف خطية الشعب لعبادتهم آلهة أخرى ”الزنا الروحي“، أي خيانة
زوجية.
2-
النبي هوشع بيوصف لينا ما حدث في البرية وقت الخروج كالتالي ”أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي
إِلَى الأَبَدِ“ (هو 2: 19). ولما ترجعي من عبادة الأوثان هتدعونني ”بعلي“. ربنا
قال لهوشع اتجوز من جومر، المرأة الزانية، ليبين استعداد الله أن يعيد زوجته
الخائنة مرة أخرى لعهد الزواج.
3-
في إرميا ربنا بيقول روح ونادي أورشليم وقولها ”ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ،
مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ“ (إر2: 2).
4-
سفر النشيد، المفسرين اليهود كلهم بيقرأوا سفر النشيد على أنه رمز لزواج الله
بشعبه، وليس قصيدة غزلية، ولا رمز أليجوري عن علاقة النفس البشرية بالله، لأن العهد
القديم يبقدم إسرائيل كشعب على أنها زوجة يهوة. الرابي عقيبا بيرفض أي تفسيرات
جنسية للسفر، وقال ”مَن يغني نشيد الأنشاد في وليمة، ويجعله أنشودة عادية، ليس
له مكان في العالم الآتي“ (Tosefta,
Sanhedrin 12: 10). وقال
أيضًا ”كل العصور لا تساوي اليوم الذي أعطي فيه نشيد الأناشيد لإسرائيل. لأن كل
الأسفار مقدسة، أما نشيد الأناشيد فهو قدس الأقداس“ (Mishnah Yadayim 3: 4). وبالتالي أصبح الحلم هو رجوع الشعب لله، في شكل وليمة عرس،
هتحصل في العصر المسياني. وأصبح مشهد وليمة العرس مشهد مسياني أساسي.
إذا
تحولنا إلى العهد الجديد سنجد الآتي:
1-
تلاميذ يوحنا سألوا يوحنا عن هويته، فأجاب ”مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ،
وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ
أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ“ (يو 3: 29). وإذا ذهبنا إلى سفر إرميا سنجد أن
دينونة الله للشعب كانت كالتالي ”وَأُبَطِّلُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمِنْ شَوَارِعِ
أُورُشَلِيمَ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسِ،
لأَنَّ الأَرْضَ تَصِيرُ خَرَابًا“ (إر 7: 34). نفس الشيء يتكرر في إر 16: 9، إر
25: 10، لكنه في إر 33: 10، 11 في وعد برد السبي كالتالي ” هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: سَيُسْمَعُ بَعْدُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ
الَّذِي تَقُولُونَ إِنَّهُ خَرِبٌ بِلاَ إِنْسَانٍ وَبِلاَ حَيَوَانٍ، فِي مُدُنِ
يَهُوذَا، وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ الْخَرِبَةِ... صَوْتُ الطَّرَبِ وَصَوْتُ
الْفَرَحِ، صَوْتُ الْعَرِيسِ وَصَوْتُ الْعَرُوسِ، صَوْتُ الْقَائِلِينَ: احْمَدُوا
رَبَّ الْجُنُودِ لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ“. ويوحنا كأنه بيقول هذه الزيجة على وشك الإتمام في
المسيح، وهو صديق العريس الأشبين، الذي يشرف على تجهيز العروس والشاهد الأساسي على
هذه الزيجة.
2-
في مت 9: 14- 17 ذهب إليه تلاميذ يوحنا وسألوه ليه إحنا بنصوم وتلاميذك مش بيصوموا
فقال لهم ”هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ
مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ
يَصُومُونَ“. أصل الكلام ده إن العرس اليهودي كان بيستمر 7 أيام، وخلال
الأسبوع ده بيكونوا معفيين من أي التزامات دينية حتى إتمام الزواج. وفي آخر
الأسبوع يدخل العريس غرفة الزيجة (الخدر) والتي بحسب كتابات يهودية تشبه القدس في
الهيكل من خلال المقاسات والديكورات (Mishnah
Baba Bathra). ثم لا
يخرج إلا في الصباح التالي. لذلك كاتب المزمور يشبه الشمس في شروقها في الصباح ”مثل
العريس الخارج من خدره، يتهلل مثل الجبار المسرع في طريقه“ (راجع مز 19). لذلك
نجد ق أغسطينوس يقول ”مثل العريس خرج المسيح من خدره.. فقد جاء إلى الصليب فراش
زيجته، وعندما اعتلاه أتم زواجه“.
3-
في عرس قانا الجليل، المسيح بيبدأ خدمته في عرس، والعذراء بتقوله ”ليس لهم خمر“.
ويقولها لم تأتِ ساعتي بعد، لأنه على الصليب ستتم الزيجة. ورئيس المتكأ لما بيذوق
بيسأل عن ”العريس“ لأنه المسؤول عن الخمر، لكن الخمر كانت هي خمر المسيح.
4-
السامرية قصة مليانة بالأسرار. المقابلة عند البئر فيها سر، راجل غريب مع امرأة
عند البئر، مشهد بحث عن عروسة. كما حدث مع عبد إبراهيم ورفقة، ويعقوب وراحيل.
السامرية متزوجة من قبل 5 أزواج، وهي بالتالي أبعد واحدة تُرشح كزوجة مناسبة، زي
سارة امرأة طوبيا، لكن المسيح الزوج الحقيقي للنفس جاء يطلب نفسها ويعدها بالماء
الحي. ميثوديوس الأوليمبي قال إن السامرية هي رمز للكنيسة التي تركت آلهة كثيرة
وتزوجت بالمسيح.
5-
نأتي ليوم خميس العهد ليؤسس المسيح عهد الزيجة الجديدة، والمهر هو دمه الكريم. ”اشْرَبُوا
مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي
يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ
الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي
مَلَكُوتِ أَبِي“ (مت 26:
28، 29). حين تأخذ العروس الكأس من يد الراغب في زواجها، فهي تعلن موافقتها. ثم
يقول أنا ذاهب لأعد لك مكانًا، في بيت أبي منازل كثيرة، للمدعوين. لا ننسى أن اليهود
رفضوا المجيء إلى عرس ابن الملك (مت 22) ومن لم يكن عليه ثياب العرس طُرد إلى
الخارج.
6-
نأتي إلى الجمعة العظيمة. كيف تتفق دموية هذا اليوم مع مشهد العُرس؟ تظهر صورة
الزفاف في الأمور الآتية: 1- إكليل الشوك: الإكليل مش للملك فقط، لكن للعريس
أيضًا، العريس ملك ليوم واحد! 2- القميص غير المخيط، من ملابس الكاهن، والعريس
كاهن عائلته. 3- الدم والماء المتدفقين من جنبه. وزي آباء الكنيسة ما علمونا إن
كما تشكلت حواء من جنب آدم بمعجزة، تشكلت الكنيسة من جنب المسيح بمعجزتين
(المعمودية والافخارستيا).
ربنا يبارك عملك الرائع دكتور عادل الحبيب
ردحذفكل سنة وحضرتك طيب