عندما نقول الآب والابن والروح القدس فنحن نعني علاقة،
ومع كونهم ثلاثة أقانيم متفردة فهم يمثلون حقيقة مطلقة وحيدة أيضًا. المصطلح
الآبائي البريكوريسيسPerichoresis هو أفضل ما يعبّر عن هذه الوحدة والتنوع داخل الثالوث
القدوس. هذا المصطلح عادة ما يعني السكنى المتبادلة أو الاحتواء المتبادل بين
الأقانيم الثلاثة، وهو يعبّر عن التبادلية والشركة وعدم قابلية الانفصال داخل
الثالوث. ليس لنا أن نعلل الثالوث؛ لأنه إعلان إلهي في المقام الأول، لكني في هذا
المقال سأحاول إلقاء الضوء على القدرة التفسيرية للثالوث لجوانب من وجودنا، وانعكاساته
على فهمنا لذواتنا كبشر مخلوقين على صورة الله، وعلى فهمنا للمنظومات التي هي من
وضع الله مثل العائلة، والكنيسة، والمجتمع.
إن مصطلح البريكوريسيس يجنبنا خطر الانزلاق إلى
الهيراركية التدنوية Subordinationism في الجوهر الإلهي؛[1]
إذ يصور الله كثلاثة أقانيم في وحدة وحب وشركة. كما أنه يجنبنا الانزلاق في
الموداليزمModalism ؛[2] إذ
يحافظ على تمايز الأقانيم. وأخيرًا يجنبنا خطر الانزلاق إلى عبادة ثلاثة آلهة Tritheism؛ لأنه يؤكد أن الثلاثة أقانيم يشكلون وحدة عضوية علاقاتية
أبدية. يؤكد مولتمان هذه الحقيقة: ”إن عقيدة البريكوريسيس تربط معًا بأسلوب فائق
ثالوثية الجوهر الإلهي ووحدته، بدون تقليص الثالوثية إلى وحدة، وبدون انحلال
الوحدة في الثالوثية“.[3]
ماثيو لايتل يؤكد أيضًا أن ضمان الوحدة في التنوع الذي يتوفر في عقيدة
البريكوريسيس يشكِّل حائط صد ضد الموداليزم والسابيلية.[4]
يكتب رودريك لويب: ”إذا أراد مناصرو لاهوت الثالوث اليوم
أن يتعلموا مصطلحًا واحدًا، يجب أن يكون هذا المصطلح هو البريكوريسيس. فهو لا يقطع
شوطًا طويلاً في شرح الحياة الثالوثية فحسب، لكنه يحتوى مضامين انعكاسية على
أخلاقيات الفرد والمجتمع، وعلى السياسة وحتى على النواحي الجمالية، ولاهوت العبادة
المسيحية“.[5]
لهذا في البداية دعنا نتعرف على شرح تفصيلي أكثر لهذا المصطلح عند آباء الكنيسة
واللاهوتين المعاصرين أيضًا، ثم بعد ذلك نتعرض لهذه المضامين الانعكاسية.
البريكوريسيس عند آباء الكنيسة
يرى بعض الدارسين أن مصطلح البريكوريسيس استُخدم في
كتابات الآباء المبكرين بمعنى يتعلق بطبيعة المسيح، أي لوصف اتحاد الطبيعتين
اللاهوتية والناسوتية في شخص يسوع المسيح. استخدم غريغوريوس النزيانزي فعل perichorein لوصف ما
يُسمى بتبادل الخواص communicatio idiomatum
في شخص المسيح
المتجسد. لكن عن انتقال المصطلح إلى الحديث عن الثالوث يرى بعض الدارسين أنه يُنسب
إلى يوحنا الدمشقي.[6]
لذلك يمكننا القول إن البريكوريسيس الخريستولوجي عند
الآباء المبكرين كان الأساس للبريكوريسيس الثالوثي. ومع ذلك فالمعاني التي ننسبها
إلى المصطلح بشأن العلاقة الداخلية للثالوث كانت مألوفة ومستخدمة بحرية عند آباء
الكنيسة. فهيلاري أسقف بواتييه على سبيل المثال يشرح الفكرة كالتالي: ”الأقانيم
الإلهية تقدر أن تحتوي تبادليًا أحدهم الآخر، حتى أن كل واحد يَحتوي envelope ويُحتوى
دائمًا من الأقنومين الآخرين“.[7]
ثم نأتي إلى يوحنا الدمشقي الذي يعتبره بعض الدارسين أول مَن استخدم البريكوريسيس
كاصطلاح تقني terminus
technicus، فهو يكتب
في كتابه ”الإيمان الأرثوذكسي“ ما يلي:
المكوث والراحة المتبادلة بين الأقانيم في أحدهم الآخر
ليسا بطريقة تجعلهم يندمجون ويصيرون مختلطين، وإنما بالأحرى لكي يتحدوا بأحدهم
الآخر، لأنه لا يفصل بينهم زمنٌ، وغير قابلين للانفصال، والاحتواء المتبادل بينهم
هو بدون اختلاط. لأن الابن هو في الآب والروح القدس، والروح القدس هو في الآب
والابن، والآب هو في الابن والروح القدس، ولا يوجد إدغام ولا امتزاج ولا اختلاط.
وتوجد انطلاقة واحدة وحركة واحدة للثلاثة أقانيم. ومن المستحيل أن تجد هذا في أي
طبيعة مخلوقة.[8]
ما يؤكد عليه الاقتباس السابق أنه لا انفصال بين
الأقانيم، بل هم في انطلاقة وحركة واحدة، ولا وجود لامتزاج أو اختلاط. والأهم أن
هذه السكنى المتبادلة العجيبة هي متفردة ومن نوع خاص لا مثيل له sui generis. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه مفارقة التمايز
الموحَّد والوحدة المتمايزة.
البريكوريسيس عند لاهوتيين معاصرين
يعرّف ميروسلاف فولف البريكوريسيس على أنه ”السكنى الداخلية
المتبادلة والاختراق المتبادل بين أقانيم الثالوث“.[9]
كما يقول جيمس جيفورد إن توماس تورانس قال إن البريكوريسيس تُكتب بحرف الأوميجا
وليس الأوميكرون. وهذا يعني أن فكرة الرقصة الإلهية التي استخدمها بعض اللاهوتين
المعاصرين بحسب قراءة المصطلح بالأوميكرون ليست صحيحة.[10]
لكن جيفورد يخلص إلى أنه برغم أن فكرة ”الرقصة“ ليست صحيحة بناءً على الاشتقاق
اللغوي، إلا أنها ”توفر استعارة مفيدة لشرح عمل البريكوريسيس في الجوهر الإلهي“.[11]
لذلك أرى أنه لا غبار في استخدام فكرة ”الرقصة“ بشرط أن تستخدم بحكمة.
يرى ميللارد إريكسون بعد إقراره بأن التشبيهات التي
تُستخدم لشرح الثالوث ليس كاملة دائمًا، أن البريكوريسيس يمكن أن يُشبه بثلاثة
أعضاء حيوية بدونها تصبح الحياة مستحيلة وهي: القلب والمخ والرئتين.[12]
لذلك يرى إريكسون المصطلح بمعنى المشاركة الكاملة في الحياة. إن حياة الله تمثل
حياة يتشاركها كل أقنوم من خلال الأقنومين الآخرين. كما يقدم إريكسون تشبيهًا آخر
جريئًا ويشبه هذه الحياة المشتركة بالتوأم الملتصق الذي ينتج عادة عن بويضة واحدة
مخصبة ويتشاركان بعض الأعضاء الحيوية، ولديهما جهاز دوري مشترك بحيث إن السوائل
الحيوية تتدفق من خلال هذا الجسد المشترك.[13] (ملحوظة هامة: كل التشبيهات عن الثالوث تنطبق في جانب واحد أو
أكثر، ولكنها دائمًا ناقصة لا تعبر عن حقيقة الثالوث؛ إذ تقف اللغة والتصور دائمًا
عاجزين عن التعبير عن الحقيقة غير الموصوفة للثالوث الإلهي).
1- مضامين
انعكاسية على مفهوم الشخص Personhood
يقول كولين جانتون عبارة بليغة للغاية: ”الأنثروبولوجيا (علم
دراسة الإنسان) لابد أن تنبع من الثيؤلوجيا (علم دراسة الإلهيات)“.[14]
هذا يعني أننا نتطلع إلى الله لنفهم كياننا وهويتنا الحقيقية. لقد تعرضت كلمة
”شخص“ Person لكثير من الانحرافات. نحن عادة ما نفهم كلمة شخص، بالمفهوم
الغربي، بمعنى كائن واحدي فرداني بحسب الكوجيتو الديكارتي ”أنا أفكر إذًا أنا
موجود“، لكن المفهوم الصحيح لكلمة شخص هو بحسب الكوجيتو الكبادوكي، نسبة إلى
الآباء الكبادوك،[15]
يقول: ”أنا موجود بسبب أنك موجود“، وبذلك يتمثل مفهوم الشخص الإنساني بالأقنوم
الثالوثي. نستطيع أن نقول إن مصطلح أقنوم بالمفهوم المسيحي يصلح ليكون النموذج
المثالي لتجسيد معنى الشخص وهو ما يجب أن نكافح لنتمثل به في حياتنا.
يصف كارل بارث الكائنات من حيث مقابلتها مع الآخر،
ويقول: ”أنا في مقابلة مع الآخر الذي هو بنفس الطريقة مثلي. أنا خاضع للظروف التي
تفرضها هذه المقابلة“.[16]
يضع بارث أربعة عناصر لإنسانية في حالة مقابلة مع الآخر. أولاً: النظر في العين أو
التواصل البصري. هذا يعني التبادلية والانفتاح والرغبة والاهتمام بالآخر، مثلما
يعرف ويرى كل أقنوم في الثالوث الأقنوم الآخر. لا استتار ولا اختباء بل شفافية في
الثالوث. لا انعزال ولا تحجُّر حول الذات ولا تكتُّم داخل الثالوث. ثانيًا: الحديث
والإصغاء المتبادل وهو ما يعكس الديالوج الإلهي الأبدي والمشاورة الأزلية داخل
الثالوث. ثالثًا: العون المتبادل عندما نحاكي حياة الشركة الإلهية. رابعًا: ضرورة
أن تُقدَّم العناصر الأربعة السابقة بحرية وسرور. فلا إكراه أو إجبار من أي نوع في
الحب الثالوثي، بل شركة مبهجة دائمًا وغامرة.
2- مضامين انعكاسية على العائلة
يشرح فولف انعكاسات الثالوث على دينامكيات الأسرة،
ويقول: ”إن التمايز بين الأقانيم هو قوام الحياة الداخلية؛ لأن الأقانيم الذين
يذوبون في أحدهم الآخر لا يمكن أن يوجدوا في أحدهم الآخر“.[17]
فكما أن أقانيم الثالوث لا تتوقف عن تمايزها في وحدتها، كذلك لا يجب أن يحدث نفس
الشيء بين أفراد العائلة. وبالتالي على أفراد العائلة أن يعملوا على إثراء أحدهم
الآخر بخبراتهم الروحية بدون الذوبان في أحدهم الآخر وبدون إلغاء تمايزهم وخصوصية
كل فرد منهم.
عندما تفشل العائلة كمنظومة من وضع الله في أن تعكس
البريكوريسيس الإلهي فهي تعاني من الكثير من أوجه القصور. إذا ذاب أفراد العائلة
في أحدهم الآخر فهذا يُسمى التعلق الروحي بالمعنى السلبي، بينما إذا لم يشاركوا
وينهِضوا أحدهم الآخر روحيًا، فهذا يمكن أن نسميه التفكك الروحي.[18]
في كلتا الحالتين يتوقف النمو الروحي للعائلة، ويتوقف انعكاس وحدة الثالوث وتنوعه
على هذه العائلة.
3- مضامين انعكاسية على الزواج
يمكننا بأمان شديد أن نطبق لغة البريكوريسيس وحياة
الشركة الثالوثية على الزواج، لأن البريكوريسيس يساعدنا على تصور معنى كيف تكون في
علاقة صحيحة مع شخص آخر، ولا سيما في علاقة مهمة مثل العلاقة بين الزوجين. فكما في
الثالوث لا يوجد أقنوم يهيمن على الأقنومين الآخرين، كذلك في الزواج عندما نفهمه
كعلاقة شركة وكظل للبريكوريسيس الإلهي، ”لا يجب أن يمارس أحد الطرفين الهيمنة على
الطرف الآخر، بل أن يضع حياته من أجل الآخر“.[19] لقد
حاربت الكنيسة على مدى تاريخها ضد الهرطقات التدنوية، لأن الهيمنة تفسد الشركة
وتلغي المساواة داخل الثالوث.
يري بيتر ليثارت البريكوريسيس في الزواج كالتالي:
ربما يمثل الزواج، بما في ذلك الاتحاد الجنسي، أوضح أثرٍ
مخلوق للبريكوريسيس الإلهي. يحيط الرجل بزوجته ويحتضنها في حضن مملوء بالحب، بينما
الزوجة تحتضن زوجها. الرجل ”يدخل“ إلى المراة التي دخلت فيه، وفي هذا الاحتواء
المتبادل يصبحان ”جسدًا واحدًا“. هذا الاتحاد من نوعية البريكوريسيس في الزواج
يمتد إلى أبعد من غرفة النوم. فيفسح الأزواج مساحات لزوجاتهم في حياتهم ومشاريعهم
وأحلامهم ومساعيهم. والزوجات تفعلن نفس الشيء أيضًا.[20]
نحن في الزواج نختبر كيف نصبح واحدًا، وإن حاول أحدنا أن
يرقص رقصة مختلفة، أو يكون عقله وقلبه في مكان آخر، أو مع شخص آخر، فغالبًا سندوس
على أصابع قدم، وقلب، أحدنا الآخر، وسنجرح أحدنا الآخر، وسيتبدد التناغم فيما
بيننا. في الزواج نحن مدعوون لنتشارك معًا في الرقصة الإلهية، إن جاز التعبير،
وعندما ننجح في خلق هذا النوع من التناغم في حياتنا الزوجية فإننا بذلك نعكس، كما
في مرآة، هذه الأوركسيترا الثالوثية الإلهية العجيبة.
4- مضامين انعكاسية على المجتمع
يربط مولتمان مضامين الثالوث وكيف يجب أن نبني المجتمع
الذي نعيش فيه كالتالي:
فقط المجتمع المسيحي هو الذي يتميز بأنه كامل وموحّد
ومتحد، ويخلو من الهيمنة والقهر. وفقط الإنسانية التي تتميز بأنها كاملة ومتحدة
وموحدة، والخالية من الهيمنة والقهر الديكتاتوري، يمكنها أن تدّعي احترامها لله
الثالوث. هذا عالم يُصنَّف فيه البشر حسب علاقاتهم الاجتماعية وليس بحسب
مقتناياتهم. هذا عالم يملك فيه البشر كل شيء بالمشاركة ويشاركون بكل شيء، باستثناء
سماتهم الشخصية (المتفردة).[21]
تأثر ”بوف“ بمولتمان واعتبر أن البريكوريسيس الثالوثي
يمكن أن يلهمنا بنموذج للمجتمع المثالي الذي نصبو إليه، ويقول: ”الأساس المطلق
للحقيقة لا يوجد في إنعزالية ’الواحد‘ ولكن في التعايش المشترك والشركة
’للثلاثة‘“.[22]
ويضيف بأن الثلاثة أقانيم لا يمكنهم اختزال أحدهم الآخر، والاختلاف أو التمايز ليس
معناه المعارضة أو المقاومة. وإذا كنا نسيء فهم الثالوث سيقودنا هذا إلى تشوهات
اجتماعية قد تصل إلى عالم السياسة. يشرح ”بوف“ أن الـتأكيد المفرط على الآب وإعطاء
أهمية أقل للأقنومين الآخرين يوصل معنى القهر. والتأكيد المفرط على الابن مع إهمال
العلاقة مع الأقنومين الآخرين يوصل معنى الاكتفاء الذاتي. بينما التأكيد المفرط
على الروح القدس يوصل معنى الفوضوية والافتقار إلى الاهتمام.[23]
يرى ”بوف“ الدور البنَّاء لعقيدة الثالوث كنموذج معياري
لبناء المجتمعات. فالمجتمعات التي تؤمن بالوحدانية المصمتة التي تُبنى على التماهي
لا تستطيع أن تتحمل الاختلاف والغيرية، بينما المجتمعات التي تؤمن بالثالوث تقدر
أن تحتفي بالاختلاف والوحدة في ذات الوقت. يطبق ”بوف“ نفس المبادئ على الاقتصاد
مؤكدًا أن المجتمع الثالوثي لا يستغل الآخرين بل يخدمهم ويحفظ مساواة الأفراد.
5- مضامين انعكاسية على الكنيسة
يعلق كولين جانتون على علاقة الثالوث بالكنيسة كمنظومة،
ويقول إن الكنيسة دعيت لتكون صدىً زمنيًا لحياة الشركة الأبدية. كما يعود ”بوف“
ويقول ببلاغة شديدة وإيجاز في هذه الفكرة: ”إن شمس سر حياة البريكوريسيس الإلهية
في الثالوث تعكس نورها على قمر سر حياة الكنيسة“.[24]
وآباء الكنيسة لم يكونوا بعيدين عن هذه الفكرة وهذا المعنى، فنجد كبريانوس على
سبيل المثال يحث المؤمنين ليعيشوا متحدين في الكنيسة، لكنه يربط هذا الملمح
بالوحدانية في الثالوث كالتالي: ”الله لا يقبل قربان مَن هم على خلاف.. الله يرضى
بصلوات صانع السلام. إن سلامنا واتفاقنا الأخوي يمثل تقدمة عظيمة لله- وكذلك شعبًا
موحّدًا في وحدة مع الآب والابن والروح القدس“.[25]
يقول ”بوف“: ”الرؤية الثالوثية تنتج رؤية للكنيسة تعبر
عن الشركة أكثر من الهيراركية، تعبر عن الخدمة أكثر من السلطوية، تكون دائرية أكثر
منها هرمية، تقدم حضنًا يحتوي أكثر من انحناء ركب أمام السلطة“.[26]
الكنيسة موحدة من خلال عمل المسيح، ومع ذلك فكل فرد في الكنيسة هو متفرد ويحظى
بنفس القدر من الأهمية. يجب أن تعكس الكنيسة كلاً من الوحدة والتنوع من خلال
الدفاع عن الإيمان الواحد والسماح بتفعيل المواهب الروحية المتنوعة.
يتفاعل ميروسلاف فولف، وهو لاهوتي بروتستانتي مع المفهوم
الكنسي لكل من اللاهوتي الكاثوليكي جوزيف كاردينال راتزنجر واللاهوتي الأرثوذكسي
جون زيزيولاس، وذلك ليصيغ رؤيته الخاصة عن الكنيسة. يصف فولف الكنيسة بأنها كيان
اسخاتولوجي يسكن فيها الله الثالوث مع شعبه الممجد.[27]
لذلك فهو يصور مفهومه عن الكنيسة بمحاكاة صورة الثالوث. غير أن فولف البروتستانتي
يختلف مع راتزنجر الكاثوليكي ويعترض على النموذج الموناركي الأشبه بالنظام الملكي
في الكنيسة الكاثوليكية، ويفضل نموذجه الذي يقول إنه يعبر عن كنيسة حرة تتميز بعدم
المركزية في توزيع السلطة.[28]
لذلك من الطبيعي أن يعترض فولف على المكانة الخاصة للأسقف في الكنيسة الأرثوذكسية
بحسب رؤية زيزيولاس. ويخلص فولف إلى أن الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية يفهمان
الثالوث على أنه هيراركي، أي هرمي البناء، ومِن ثَم تشكلت الكنيسة بحسب هذا البناء
الهرمي. ومع ذلك بعيدًا عن التنظيرات فالممارسة هي المحك دائمًا. الكنائس كلها
تحتاج إلى نظام معين يحفظ وحدتها ومساءلة أعضائها. هذا النظام، وإن احتوى على
هيراركية، هو نظام وظيفي في عالمنا الساقط. نظام في عالم يضغط في اتجاه الفوضى.
لذلك فإن الهيراركية الوظيفية في الكنيسة لا تعرقل أبدًا المساواة الروحية بين كل
أعضاء الكنيسة في أي شيء. هذه هيراركية وظيفية وليست أنطولوجية.
خاتمة
زعم إيمانويل كانط متهكمًا أن عقيدة الثالوث ”ليس لها أي تطبيقات عملية“،[29]
لكن زعمه هذا غير مبرر. أستعير كلمات بوف وأقول إن شمس سر البيريكوريسيس الإلهي
تعكس نورها على الكثير من القضايا اللاهوتية. هناك مساحة كبيرة لمحاكاة الثالوث في
قضايا تتعلق بمفهوم الشخص والمجتمع والعائلة والزواج، وربما السياسة والاقتصاد.
ولعل الحل لكثير من مشكلاتنا المؤرقة يكمن في تطبيقنا لمفهوم البريكوريسيس.
[1] أقصد هنا بالتدنوية أن أقنوم الابن والروح
القدس أدنى أو في مرتبة أقل من الآب. ظهرت هذه التدنوية في البدعة الأريوسية
وجماعات منشقة عنها.
[2]أقصد بالموداليزم هنا اعتبار الثالوث أقنوم واحد ظهر في حالات modes ثلاثة مختلفة. تعتبر الهرطقة
السابيلية هي أحد أشكال الموداليزم.
[3] Jurgen Moltmann, Trinity and
the Kingdom of God: The Doctrine of God, trans. M. Kohl (London: SCM Press,
1981), 175.
[4] James D. Gifford, Perichoretic
Salvation: The Believer’s Union with Christ as a Third Type of Perichoresis
(Wipf and Stock Publishers, 2011), 17.
[5] Roderick T. Leupp, The Renewal of
Trinitarian Theology: Themes, Patterns & Explorations (InterVarsity
Press, 2008), 71–72.
[6] Giulio Maspero and Robert J.
Wozniak, Rethinking Trinitarian Theology: Disputed Questions And
Contemporary Issues in Trinitarian Theology (A&C Black, 2012), 179.
[7]
Hillary of Poitiers, On the Trinity, 3. 1 ac cited in Joel C. Elowsky
and Thomas C. Oden, John 11-21 (InterVarsity Press, 2007), 131.
[8] St John of Damascus Writings,
translated by Frederic H. Chase, Jr., The Fathers of the Church, Volume 37,
Catholic University Press, 1999),
202.
[9] Miroslav Volf, After Our Likeness: The
Church as the Image of the Trinity, First edition (Grand Rapids, Mich:
Eerdmans, 1997), 208.
[10] James D. Gifford, Perichoretic
Salvation: The Believer’s Union with Christ as a Third Type of Perichoresis
(Wipf and Stock Publishers, 2011), 16.
[11] Roderick T. Leupp, The
Renewal of Trinitarian Theology: Themes, Patterns & Explorations
(InterVarsity Press, 2008), 73.
[12] Roderick T. Leupp, The
Renewal of Trinitarian Theology: Themes, Patterns & Explorations
(InterVarsity Press, 2008), 73.
[13] Millard J. Erickson, Making
Sense of the Trinity: Three Crucial Questions (Baker Academic, 2000), 63.
[14] W. Ross Hastings, Where Do
Broken Hearts Go?: An Integrative, Participational Theology of Grief (Wipf
and Stock Publishers, 2016), 54.
[15] آباء الكنيسة في القرن الرابع الذين عاشوا في منطقة
كبادوكية، وأهمهم باسليوس الكبير، غريغوريوس النزيانزي، وغريغوريوس النيسي.
[16]
As cited in Gary Deddo, Karl Barth’s
Theology of Relations, Volume 1: Trinitarian, Christological, and Human:
Towards an Ethic of the Family (Wipf and Stock Publishers, 2015), 101.
[18] Jack O. Balswick and Judith K. Balswick, The
Family: A Christian Perspective on the Contemporary Home (Baker Academic,
2007), 150.
[19] Adrian
Thatcher, Marriage After Modernity: Christian Marriage in Postmodern Times
(NYU Press, 1999), 232.
[21] Alan J. Torrance, Persons in
Communion: Trinitarian Description and Human Participation (Bloomsbury
Publishing, 1996), cited in footnote 94, p. 249.
[25]
Cyprian, On the Lord’s Prayer, 23, as cited in Dale C. Allison, Studies in Matthew:
Interpretation Past and Present (Baker Academic, 2005), 66.
[27] Miroslav Volf, After Our
Likeness: The Church as the Image of the Trinity (Wm. B. Eerdmans Publishing,
1998), 129.
[29] Immanuel
Kant, The Conflict of the Faculties (trans. Mary J. Gregor; New York: Abaris,
1979), 65-67.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق