الأربعاء، 10 يونيو 2020

الواضح بن رجا: تحقيق شريف رمزي


متحول إلى المسيحية في القرن العاشر، وردت سيرته في الجزء الخاص بالبابا فيلوثاؤس (63) في كتاب ”تاريخ البطاركة“، وكان أبوه يعمل في القضاء، ووردت أحداث حياته في الجزء الأول من عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي. هو الواضح ابن رجا.. الذي حقق سيرته الباحث شريف رمزي.
ماذا فعل الباحث والمحقق في هذا الكتاب:
1-              قام بحل إشكالية في أي عصر من الحكام جرت هذه الأحداث.
2-              قام بحل إشكاليات تتعلق باسم الواضح نفسه (بولس/ أو يونس/ أم يوسف).
3-              قام بحل إشكالية علاقة الواضح بالأنبا ساويرس بن المقفع (أبوة أو تعاون أدبي؟).
4-              قام بحل إشكالية أين قضى الواضح أيامه الأخيرة وتوفى (السودان أم الحبشة أم المحلة الكبرى؟)
5-              قام بحل إشكالية تتعلق بالمؤلفات التي تركها الواضح.
6-              قام بتحقيق المخطوط الخاصة بسيرته عن مخطوط للمتحف المصري.
7-              اقترح نموذجًا لنص يمكن إضافته للسنكسار للتعييد بذكرى الواضح.
بالطبع قام الباحث باكثر من هذا، ويكفي هذه الإشكاليات صعوبتها، لكن باحثنا يتمتع بموهبة فطرية بحسب د صموئيل قزمان معوض (جامعة مونستر بألمانيا) في مقدمة الكتاب. فهو لديه حاسة صحفي التحقيقات الجنائية، ولا عجب فقد عمل في الصحافة ودرس المحاماة!
أمّا عن سيرة الواضح نفسها أود الإدلاء ببعض الملاحظات منى كقارئ تفاعلت مع القصة. أولاً: وجود عنصر ميثولوجي/ أسطوري أو إعجازي للقصة مثل رجوع الواضح من مكة على ظهر فرس الشهيد مرقوريوس، أو القصة التي حكاها له الأنبا ساويرس عن الملك الهاشمي في بغداد وابنه الذي كان يضطهد الكنائس وقت القداسات ويضع تراب في القربان والكأس. وفي ذات المرات رأى هذا الرجل في الصينية ”طفلاً نبيلا“ والكاهن يذبحه ويعصر دمه في الكأس. وكانت سببًا في إيمانه ثم استشهاده بعد ذلك.
في الحقيقة لقد عبّر باحثنا بشكل رائع عن ذلك بأن المعجزة الحقيقة هي التغيير الذي حدث للواضح بن رجا، وفي صبره واحتماله، وتحمله لشتى صنوف العذاب. وقال الباحث إن ”الإسهاب في سرد تفاصيل خارقة في حياة القديسين- بقدر ما يثير الإعجاب- إلا أنه يأتي أحيانًا بنتائج عكسية“ (ص 42). ولا يمكنني الاتفاق معه في هذا الراي أكثر من هذا.
أمّا بالنسبة لقصة تحول القربان والكأس إلى طفل يُذبح.. جدير الذكر أن ابن الملك الهاشمي لما حكى للكاهن، أكد الأخير له أننا لا نقدم إلا خبز وخمر. لكنه في نفس الوقت أكد على أن الخبز يتحول بشكل حقيقي.. لكن ما حدث هو عمل استثنائي لخلاص نفسه. لأن ”لا أحد يستطيع أن يأكل لحمًا نيًا أو يشربًا دمًا..“ (ص 71). هذا النوع من القصص لا يزال منتشرًا حتى يومنا هذا.. ولكنه قد يأتي بنتائج عكسية أيضًا.. فتصوير الأمر على هذا النحو مليء بالسادية والوحشية. الذبيحة ليست دموية، والسكين عقلية، كما نقول في القداس: ”لكن الخروف فروحى والسكين فنطقية (عقلية) غير جسمية، هذه الذبيحة التي نقدمها لك“ (صلاة صلح للقديس يوحنا ذهبي الفم).
الأمر الثاني الذي أود التعليق عليه يتعلق بكلام الواضح للشماس كاتب سيرته قائلاً بأن هناك ثلاثة أشياء تألم من أجلها وهي:
1-              عندما أمر أبوه أخاه الأكبر بأن يجامع سريته أمام عينيه.
2-              عندما أمر أبوه بإغراق ابنه من هذه السرية.
3-              عندما طلب منه تلاميذ البطرك أن يسدد رسم سيامته قسًا ولم يكن معه ليدفع وكان البطرك يبصره ساكتًا لا يمنعهم ولا يردعهم (ص 73).
أود أن أتوقف عند الأمر الثالث، وفيه اتهام واضح لأحوال الكنيسة في ذلك العصر. وأتسأل هل هذا أدى إلى تجاهل سيرة الواضح لما فيه من افتتضاح مرحلة مظلمة من التاريخ الكنسي. الواضح يضحي بكل شيء، مركزه ووظيفته، سريته، ابنه، ثم يتلقى شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، ثم يقف أمامه حاشية البطرك طالبين منه تسديد الرسم. قد يرى البعض هنا مشهدًا مخزيًا فيه الكثير من الجحود لما قدمه الواضح من تضحيات. بالفعل كان البطرك يحتاج لهذه الرسوم من أجل سداد الجزية.. ويحاول البعض إنكار أن البطرك لم يطلب منه لكن تلاميذه هم من فعلوا هذا. لكن المؤرخة الإنجليزية بوتشر تقول ”ثمّ رجع إلى مصر[1] لينال درجة كاهن فقابل البطريرك فيلوثاوس وطلب إليه أن يرسمه قسيسًا فطلب منه دفع الرسم المقرّر، فلم يشأ لما قام في نفسه من كراهية ذلك الأمر فأصرّ البطريرك على أخذ الرسم وانتهى الأمر بينهما بتوسط أحد ذوي الغيرة الدينيّة حيث دفع عنه ذلك الرسم فَرُسِم قسيسًا، وقد بطلت عادة دفع الرسوم بعد ذلك في عهد البطريرك إفرايم“. في كل الأحوال ربما أراد كاتب السيرة أن يقول أن هناك نورًا حتى في أحلك لحظات الظلام. وهل نستطيع أن نأخذ درسًا من الواضح الذي لا أظن أنه لم يرد أن يستغل الموقف ويزايد على الكنيسة، بل توجع في قلبه من الأمر.      




[1] أثبت الباحث أن الواضح بن رجا لم يغادر مصر، راجع ص 44.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق