الأحد، 20 سبتمبر 2020

لماذا تختلف السبعينية عن النص العبري؟

 


ما يقرب من 90% من اقتباسات العهد القديم الواردة في العهد الجديد تتبع الترجمة السبعنية، بينما 10% تتبع النص المازوري. وبالطبع هناك بعض الاقتباسات في العهد الجديد التي لا تتفق مع السبعينية ولا المازوري، ويُرجح أنها كانت ترجمة ارتجالية من الذاكرة. فيما يلي بعض الأمثلة الشهيرة للاختلافات بين النص السبعيني والنص العبري:

1- لوقا 4: 18- 19 ”رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ“. ده اقتباس من إش 61: 1- 2 ”رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ“. هنلاحظ إن عبارة ”ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ“ مش موجودة في الأصل العبري. هذه العبارة موجودة في السبعينية.. (راجع الترجمة الإنجليزية للمحررين Albert Pietersma & Benjamin G. Wright) صفحة 870.  

2- عبرانيين 10: 5 ”لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا“. ده اقتباس من مز 40: 6 ”بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ“. من أين جاء الاختلاف بين ”هيأت لي جسدًا“ و”أذني فتحت“.  اللافت أن كلاً من الترجمة السبعنية والنص العبري يتحدث عن الأذن وليس الجسد، وبالتالي إمّا كانت هناك ترجمة يونانية أخرى في القرن الأول لجأ إليها كاتب العبرانيين أو أنه أعاد صياغة النص، بعمل نوع من المجاز فاستبدل الجزء (الأذن) بالكل وهو (الجسد).

3- غلاطية 3: 13 ”إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»“. الاقتباس ده من تث 21: 23 ”فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ“.في النص العبري مفيش عبارة ”على خشبة“. بحسب إحدى مخطوطات السبعينية:

  his body shall not sleep upon the tree, but with burial you shall bury him that same day, for anyone hanging on a tree is cursed by a god."

الجدير بالذكر أن يوستين الشهيد اتهم اليهود انهم حذفوا عبارة ”على خشبة“ (الحوار مع تريفو 73).

4- مزمور 22: 16 بحسب السبعينية يقول: ”لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ“. لكن بحسب النص المازوري يقول: ”لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. مثل أسد على يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ“.

5- نفس الشيء مز 22: 20 بحسب المازوري يقول: ”أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِيmy only life“.لكن بحسب السبعينية Brenton انقذ ”وحيدي my only-begotten وهي كلمة مونوجنيس التي يستخدمها يوحنا 3: 16. 

6- مت 1: 23 ”هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ“. في النص العبري يقول في إش 7: 14 ”شابة alma تحبل“. وكلمة alma هي كلمة عامة قد تحتوي معنى عذراء أيضًا... لكن في السبعينية ترجمت بارثينوس بمعنى عذراء وهي ذات الكلمة التي استخدمها متى. جدير بالذكر أن اليهود اجتمعوا في مجمع جامنية وقالوا ان السبعينية ترجمة غير دقيقة.. ومنعوا استخدامها لصالح ترجمات أخرى (ثيؤدوتوس، أكويلا، سيماخوس).. وكان غرضهم مقاومة الانتشار المتزايد للمسيحية والاعتماد على هذه الترجمة. الترجمات الثلاثة ترجموا إش7: 14 بكلمة تعني ”شابة“ عادية. يرى بعض الآباء، ومنهم ق جيروم، أنه حتى لو ترجمت شابة وليست عذراء لا يلغي أن الآية تتضمن ميلادًا عذراويًا بالنظر إلى السياق.[1]

 

يشرح جان دانيلو في كتابه عن فيلو السكندري[2] أسباب الاختلافات بين السبعينية والنص العبري، مما يرجح أنها لم تكن ترجمة بالمعنى المتعارف عليه، وإنما كانت نوع من الترجمة التفسيرية التي تناسب الزمن الذي كتبت فيه. ويقدم الأسباب التالية:

1- في السبعينية نرى تركيز على شمولية إله إسرائيل، فنجد مثلا أم تعبير ”رب الجنود- يهوه صاباؤت“ ترجم في السبعينية في بعض المرات ”كيريوس بانطوكراتور- الرب ضابط الكل“.

2- في السبعينية نجد تركيز على نظرية الخلق الإلهي- وده مفهوم علشان يرد على نظرية أزلية المادة عند الفسلفة الوثنية، فمثلاً: (2صم  22: 32) ”لأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلهٌ غَيْرُ الرَّبِّ؟ وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ غَيْرُ إِلهِنَا؟“ وقد ترجم  الجزء الأخير كالتالي ”مَن يكون خالقًا غير إلهنا؟“.

3- تعبير أبدي غير موجود في اللغات السامية فمثلاً أيوب 33: 12 ”أَنَا أُجِيبُكَ، لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ“ ستترجم إلى ”لأن من هو فوق الفانين هو أبدي“. للتمييز بين إله إسرائيل وآلهة الوثنيين. 

4-  كما اهتم اليهود في الثقافة الهلينية إعادة تفسير التعبيرات التي توحي بالتجسيم ”أنثربومورفيزم“، فمثلاً خروج 24: 10 ”وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ“ ترجمت إلى ”وروأوا مكان (topos) إله إسرائيل“. وذلك للحفاظ على التنزيه الإلهي. نفس الشيء ترجم تعبير ”يد الله“ إلى ”قوة الله“. ولنفس الهدف نُسبت بعض الأشياء للملائكة كانت منسوبة ليهوه في النص العبري. فمثلاً خروج 4: 24 ”وَحَدَثَ فِي الطَّرِيقِ فِي الْمَنْزِلِ أَنَّ الرَّبَّ الْتَقَاهُ وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ“ قد استبدل الرب ب ”ملاك الرب“.

5- أراد مترجمو السبعنية التأكيد على عقيدتي القيامة والملائكة، فمثلاً في أيوب 42: 17 ”ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ“ نجد عبارة مضافة في السبعنية تقول ”مكتوب أنه سيقوم ثانية مع من يقيمهم الرب“. كذلك في تث 32: 8 يقول النص العبري ”حِينَ قَسَمَ الْعَلِيُّ لِلأُمَمِ، حِينَ فَرَّقَ بَنِي آدَمَ، نَصَبَ تُخُومًا لِشُعُوبٍ حَسَبَ عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ“ ونجد أن السبعنية ترجمت الجزء الأخير ”حسب عدد ملائكة الله“. وفي مز 104: 4 يقول النص العبري ”وصَنَعْتَ الرِّياحَ رُسُلَكَ“ (ترجمة العربية المشتركة) وقد ترجم ”الجاعل ملائكته أرواحًا“.

7- أعاد مترجمو السبعنية الصياغة بحيث تؤكد على التوحيد في مقابل تعدد الآلهة في الوثنية خاصة عند ذكر كلمة إلوهيم (الله) وهي كلمة في صيغة الجمع. فمثلاً مز 97: 7 ”اسْجُدُوا لَهُ يَا جَمِيعَ الآلِهَةِ“ ترجمت ”يا جميع الملائكة“. وفي مز 138: 1 ”قُدَّامَ الآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ“ ترجمت ”قدام الملائكة“. وفي مز 8: 5 ”دونَ الإلهِ حَطَطتَه قَليلاً“ (الترجمة اليسوعية)، قد ترجمت ”أنقصته قليلاً عن الملائكة“. سنلاحظ أن بولس في رسالته للعبرانيين استخدم الثلاث آيات السابقة من النسخة السبعينية.

8- في نوع من التأقلم مع الثقافة اليونانية في الوقت ده، يعني مثلاً sheol أو مثوى الأموات هيترجم في السبعنية إلى هاوية hades  ترتاروس tartarus علشان اليونانيين يعرفوا التعبيرات الأخيرة دي من الإلياذة والأوديسة. نفس الشيء هنلاقي شيء لذيذ جدًا في ترجمة نش 1: 8 ”إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ“ زدي هنلاقيها مترجمة ”إن لم تعرفي نفسك.. أيتها الجميلة بين النساء“. و”اعرف نفسك“ فكرة وشعار أفلاطوني معروف. يقول جان دانيلو أن أوريجانوس أشار إلى هذا التشابه في تفسيره لنشيد الأنشاد (In Canticum, ii).

9- في السبعينية نوع من تعظيم المسيّا، فمثلاً مز 110: 3 ”شعبُكَ يَلتَفُّ حَولَكَ طَوعًا يومَ تقودُ جنودَكَ على الجبالِ المُقدَّسةِ، فَمِنْ رَحِمِ الفَجرِ حَلَ كالنَّدى شبابُكَ“ (العربية المشتركة)، وقد ترجم الجزء الأخير ”في بهاء قديسيك (ملائكتك). من الرحم قبل الصبح ولدتك“. ويعلق جان دانيلو بأن فكرة الوجود السابق للمسيّا في مجتمع الملائكة كانت فكرة مفضلة لليهود في هذا الزمن، ولا يستغرب أبدًا ترجمة العذراء في إشعياء 7: 9 لأن فكرة الأمومة العذراوية كانت معروفة عند فيلو السكندري.

ملحوظة: هذه الاختلافات ربما تدلنا بالأكثر على الرأي القائل بأن السبعينية هي ترجوم أكثر منه ترجمة بالمعنى الذي نفهمه الآن. وعلى غرار الترجومات الآرامية لنص العهد القديم. وبالتالي هي ترجمة تفسيرية قد تتضمن تعليقات تفسيرية لخدمة شعب له لغة وثقافة مختلفة. هناك لاهوتي اسمه Paul Kahle هو صاحب هذه النظرية (Septuagint as a Greek targum).  

 جدير بالذكر إن آباء الكنيسة كانوا يبجلون الترجمة السبعنية، فنجد أن ق إيريناؤس في ضد الهرطقات الكتاب الثالث فصل 21 بيقول إن ثيؤدوتون وأكويلا دخلاء على اليهودية لكن اليهود أنفسهم بناء على طلب بطليمودس ترجموا الآية ”عذراء“، ولو كان اليهود عرفوا أن الآية دي هتخدم المسيحية فيما بعد ”لم يترددوا بالمرة أن يحرفوا كتبهم المقدسة ذاتها“. كما يذكر ايريناؤس نفس القصة الاسطورية عن ترجمة السبعينية.

ويذكر أيريناؤس في نفس الفصل أن الرسل أقدم من كل الهراطقة .. و”الرسل يتفقون مع هذه الترجمة... والترجمة تنسجم مع تقليد الرسل؛ لأن بطرس ويوحنا ومتى وبولس والباقين بالتالي وكذلك تلاميذهم قد اقتبسوا كل الإعلانات النبوية، كما هي موجودة في ترجمة الشيوخ“. كما يؤكد أن ”هذه الترجمة تمت قبل نزول الرب، ووجدت قبل ظهور المسيحيين... وأن روح الله الذي بشر بواسطة الانبياء عن مجيء الرب.. قد أعطى بواسطة هؤلاء الشيوخ، ترجمة صادقة“ (ص 104). وجدير بالذكر أيضًا أن اوريجانوس في رسالته إلى افريكانوس ذكر أن شيوخ اليهود اخفوا قصة سوسنة وقصة نشرهم لإشعياء لأن فيها تشهير باليهود أنفسهم.  



[1]  رونالد هاينه، قراءة العهد القديم وفقًا للكنيسة الأولى، ترجمة عادل زكري، ص 181- 182.

[2] Jean Daniélou, Philo of Alexandria, Translated by James G. Colbert, pp. 69- 75.

هناك تعليق واحد: