الأحد، 10 نوفمبر 2019

قراءة في كتاب ”ليتورجيا الحياة“



تقييم عام
بشكل عام في جهد مبذول في الكتاب بلا شك.. الفصل الخامس عن الليتورجيا والتأله يعتبر بحث جيد جدًا مدعوم بأقوال آباء كثيرة عن قضية التألة وكيفية انتسابنا للمسيح وانتسابه لينا، مع ربطه بالنصوص الليتورجية. كذلك الفصل السادس في جهد محترم لشرح مفهوم وحدة الكنيسة، وشرحه الفصل الثامن الليتورجيا والزمن، والفصل التاسع ليتورجيا الزواج، والعاشر: قداس ما بعد القداس. كل فصول الكتاب جيدة جدًا، لكن أنا مشكلتي مع فصلين تحديدًا: الأول عن تدبير الخلاص، والسابع عن الصلاة من أجل الراقدين. أي كتاب في الدنيا نافع، ورغم اختلافي مع الكتاب لا أحث أي أحد على عدم قرائته، بل بالعكس، يجب أن نقرأ بحاسة التمييز وأشجع الاشتباك مع الأفكار لأن الحكيم يعلمنا ”الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ“ (أمثال 27: 17).  
أولاً: ملاحظات تتعلق بالتوثيق
في ص20 ”الكنيسة أخذت كنوز الأنبياء حسب عبارة العلامة أوريجانوس“- فين المرجع؟ كذلك في ص28 أثيناغوراس يشبه العقل البشري بالقيثارة التي تحركها اليد الإلهية.. فين المرجع؟ بالرغم أن الكلام بتاع أثيناغوراس عن مرجعية الدين الحقيقي عند الوثنيين (شعراء وفلاسفة متناقضين) في مقابل مرجعية الأنبياء (الموحى بها بالروح القدس)، فالكلام مش على الليتورجيا هنا. في ص 29 مرد ”ننصت آمين“ كان يُقال في العصور الوسطى.. أين المرجع؟ كذلك ق أنطونيوس قال ”إن الكيان يسبق الكلمة“- فين قال الكلام ده؟ وفي ص 42 عبارة لأغسطينوس عن تعريف الشر ”الجانب المضاد للخير“؟ وفي ص 42 اقتباس لفلاديمير لوسكي من غير مرجع. وص43 تفسير لنسمة الحياة عند فيلون السكندري، وتعبير آدم أول الأنبياء عند أكليمندس.. كل ده من غير مرجع. في ص 43 في حاشية لدراسة بعنوان الخليقة الجديدة في المسيح، من غير المؤلف أو الناشر. ص 55 في حاشية بتقول إن يوحنا ذهبي الفم قال إن معاقبة شخص بدلاً من آخر هي فكرة سخيفة، والمرجع كان العظة المائة على رومية. وعظات رومية هما 33 عظة فقط ترجمة د سعيد حكيم، الناشر المركز الأرثوذكسي. ص 113 والكلام عن Benergar لا يوجد مرجع. في ص 201 كلام ق جيروم عن الشموع مفيش مرجع. ص 265 كلام ديستوفيسكي ”العالم سيخلص بالجمال الإلهي“.. من غير مرجع. كلام محي الدين بن عربي ص 280 ”الفرد فرد، وإن أحب، تأقنم“ مفيش مرجع. كل ده حلو.. لكن المتبع هنا إني لو مش عارف الكتاب اللي ذُكر فيه هذا الكلام.. حاجة من اتنين: إما أعيد صياغته بأسلوبي أنا.. أو أمتنع عن ذكره.
السوتيريولوجية الجديدة
بالنسبة للكلام عن يوحنا ذهبي الفم فربما هو أكثر من تحدث عن العقوبة والغضب الإلهي- الفكرة التي يرفضها الكاتب- وفكرة تحمُّل المسيح عقوبتنا كثيرًا ما ظهرت في كتابات ذهبي الفم، على سبيل المثال يقول هذا التشبيه الواضح والصريح: ”فلو أن ملكًا قد رأى سارقًا ومجرمًا وهو يُعذّب، ثم وضع ابنه الوحيد لكي يبذل نفسه عنه، وحوَّل العقوبة عن المجرم ونقلها إلى الابن الذي لم يكن مجرمًا، ليس فقط عقوبة الموت، بل والخطية أيضًا، وذلك حتى يُخلص المدان، وينقذه مما التصق به من صفة سيئة، وبعد كل هذا رفعه إلى أعلى مرتبة. ثم بعد هذه المحبة.. حدث أن أهان الملك الذي أحسن إليه، ألا يُفضل أن يموت آلاف المرات.. على أن يصبح مذنبًا بكل هذا الجحود؟ (يوحنا ذهبي الفم، تفسير كورنثوس الثانية، ترجمة د سعيد حكيم، عظة 11، المركز الأرثوذكسي، ص191- 193).
أما عن فكرة غضب الله وربطها بالفداء.. فمرة أخرى ذهبي الفم يقول ”دعاه (يوحنا المعمدان) حملاً ليذكّر اليهود بنبوة إشعيا.. علمًا بأن الخروف الآخر لم يمحو تمامًا خطية أي إنسان، أما هذا الحمل فهو الذي كان مزمعًا أن يرفع خطايا العالم كله، وإنه بينما كان العالم يسرع برجليه إلى طريق الهلاك، انتشله حمل الله بسرعة بعيدًا عن غضب الله“ (عظات على إنجيل يوحنا، الناشر مكتبة المحبة، ج 1، ض 161- 162). وهنالك اقتباسات لا حصر لها يضيق الوقت لذكرها، لكننا للأسف قبلنا السوتيريولوجية الجديدة للأرثوذكس الروم، والتي تظهر أيضًا عند د جورج حبيب بباوي ود هاني مينا ميخائيل، حتى بدون ما نعمل double check هل هي صحيحة أم لا.. وهي في رأيي خطاب لاهوتي توليفي له تحيزاته!  طول الوقت عند الآباء- شرقًا وغربًا- في تأله وشفاء، وفي عقوبة ونقض الحكم اللي كان علينا، وفي تسديد الدين، وإلغاء العقوبة، جنبًا إلى جنب. في اعتقادي، أصحاب المنظور الجديد للسوتيريولوجيا اختاروا أن يغمضوا عيونهم عن 50% (roughly) من كتابات الآباء. نشوف مثلاً ق كيرلس الكبير بيقول إيه عن العقوبة: ”فقد تُرك البريء أن يُذبح لأجل الخطاة. ولم يقل هذا فقط، بل أنه ذكر شيئًا أكثر أهمية بكثير. ما هو هذا الشيء؟ أن ذاك لم يعرف خطية، الذي هو البر ذاته، قد جعله خطية. أي أنه تركه ليُحاكم كخاطئ، أن يموت كملعون، خاصة أن الملعونين كانوا يُصلبون (ملعون كل من عُلق على خشبة).. ولم يكن هذا نوعًا من العقاب فقط، بل وإهانة كبيرة ق كيرلس  In Is. 53, 4- 6
نشوف حتى ساويرس بن المقفع في كتاب الدر الثمين- علشان منقولش اللاهوت القبطي الأصيل وحاجات من دي، في القرن العاشر، يعني قبل ما يبقى في كالفن بكتير:

حتى ق أثناسيوس لم يجد غضاضة في القول بأن غضب الله استقر على المسيح، وهو أثناسيوس العظيم أبو اللاهوت السكندري، ولم يُحكم عليه بهرطقة: فهو يقول: ”مرة أخرى يقول من خلال كلام على فم المسيح من ناحية مزمور 87 "عليّ استقر غضبك"، ومن ناحية أخرى في المزمور 68 حينئذ "رددت الذي لم أخطفه". لأنه لم يتألم كمذنب، وإنما تألم لأجلنا وأخذ على عاتقه الغضب الذي كان ضدنا بسبب التعدي (ق أثناسيوس، الرسالة إلى مارسلينوس 7، وستجدون هذا الكلام وهذه الترجمة في نسخة المركز، ترجمة د جورج ميشيل، صفحة 36،  أو الترجمة القديمة للدكتورة إيريس حبيب المصري، صفحة 15، 16.) نفس الشيء قاله العظيم الثاني، ق كيرلس الكبير، في شرحه على إنجيل يوحنا (ترجمة المركز الأرثوذكسي الجزء الثاني، الكتاب 11 فصل 8 صفحة 373) فإنه بشفاعته (المسيح) يهدئ غضب الآب مقدمًا نفسه ذبيحة لأجلنا... وهو نفسه ذبيحة بلا لوم، الحمل الحقيقي الذي يرفع خطية العالم
المزج بين لاهوت إيريناؤس ولاهوت أثناسيوس  
في ص 52 في خلط بين لاهوت إيريناؤس ولاهوت أثناسيوس، الأول بيعتبر آدم كطفل، والثاني مش بيعتبر آدم كطفل، فالكاتب يفسر عبارة أثناسيوس ”استدعى تعطف الكلمة لكي يكون مسرعًا لمعونتنا“ بإنه ليس استدعاء طارئًا (صح) كما لو يكن في حسبان الله (صح) بل نتيجة طفولية الإنسان (هنا يفسر عبارة أثناسيوس بلاهوت إيريناؤس) فجاء معها استكمال تدبير الله... إلخ. لكن للاسف أثناسيوس لا يتحدث عن نضوج إنساني زي أيريناؤس بل عن استرداد لما فقد.. حتى من نفس كتاب ”ليتورجيا الحياة" شواهد طقسية كثيرة تدعم هذا: ”من قبل صليبه، وقيامته المقدسة رد الإنسان مرة أخرى إلى الفردوس“، ”آدم بينما هو حزين سُر الرب أن يرده إلى رياسته“، قطعة 7 من ثيؤتوكية الاثنين ”لكي يرد آدم الترابي إلى الفردوس“.. والكلام كله عن استرداد وليس تكميل أو نضوج.. ولذلك تظل رؤية إيريناؤس مختلفة عن أثناسيوس!
بين العدالة البشرية والعدالة الإلهية
في ص 58 يقول الكاتب إن المسيح جاء ليفصل بيت ما هو لله وما هو لقيصر، بين العدالة البشرية والعدالة الإلهية.. اللي مفيش وجه شبه ما بينهم.. الأولى قصاص، والثانية خلاص. طبعًا استكمالاً للسوتريولوجية الجديدة اللي فيها رفض لأنه يكون في عدالة جزائية عند الله. لكن حتى هذه الفكرة السابقة ليست دقيقة: يوستين الشهيد في الدفاع الثاني (فصل 9) بيقول إن ”المشرعين ليسوا بظالمين وأن الله أباهم يرشدهم من خلال الكلمة لعمل ما يعمله هو نفسه“. يعني العدالة البشرية مستمدة من الله. وعن العدالة الجزائية ذهبي الفم بيقول إن القضاة بيكافئوا الناس الصالحين وبيعاقبوا الأشرار ”فوفق أي منطق سيحدث العكس مع الله، هل سينال الصالحين والأشرار نفس التقدير معًا؟“ (الدينونة العتيدة، ترجمة د جورج عوض، المركز الأرثوذكسي، صفحة 10). وبناء عليه عدالة اللع ليست خلاص فقط، بل جزاء أيضًا! ”هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ“ (رؤ22: 12).
في ص 60يقول الكاتب : في الليتورجية نجد أنه بينما كان آدم حزين، كانت مسرة الله أن يخلصه، وليس بحسب كالفن: ”بأن المسيح حمل خطايانا لكي يخلصنا من غضب الله.. لأننا مذنبين في نظره بل نولد لدينونة جهنم“. تمام؟ طب نقطة غضب الله تعرضنا ليها، لكن نص العبارة التاني بتاع جهنم أنا هجيب اقتباس من أثناسيوس ذكره الكاتب نفسه في ص 75 عن أن أثناسيوس قال ”لو لم يكن الرب قد تأنس.. لن نكون قد افتدينا.. ولا قمنا من الموت.. بل بقينا أمواتًا تحت التراب، ولا صعدنا.. بل رقدنا في الجحيم“ (ضد الأريوسيين 1: 43). أنا مش بحب كالفن خالص.. بس هل أنا أحترم عقلي لو شوفت أن الاقتباسين مختلفين؟! كالفن بيقول المسيح جه خلصنا من الجحيم، وأثناسيوس بيقول لو لم يتأنس الرب كنا زمنا راقدين في الجحيم. في فروق كبيرة بين أثناسيوس وكالفن.. بس مش في النقطة دي! 
هل القيامة حدث غير تاريخي؟
في ص 86 يقول الكاتب ”القيامة.. لا يجب الإشارة إليها كونها حدث تاريخي، ذلك لأن التاريخ لا يعترف بهذا.. قيامة الإله أمر فوق التاريخ واستيعابه“. طبعًا إنكار حدث القيامة تاريخيًا أمر خطير جدًا نادى بيه جون كروسان، من اللاهوتيين الليبراليين من سيمنار يسوع، ولكن أظن أن الكاتب لا يعي تمامًا أبعاد مثل هذا التصريح! هو يقصد أن الحدث تاريخي، وده أمر مستقر عليه في الأناجيل، حيث إنه جرى في فجر الأحد التالي لجمعة الصلبوت، وكان في يهود، وحراس، وأختام، باختصار كل ما ينطبق على أي حدث تاريخي زيه زي صلب المسيح. لكن الكاتب عاوز يقول إن ليه أثر ممتد.. لكنه في أجزاء أخرى بيقول على أن الصليب برضو فوق الزمان، بدليل أن المسيح قدم جسده ودمه في الافخارستيا قبل الصلب ذاته.. فلماذا لم يقل إن الصليب مش حدث تاريخي هو برضو. كلاهما حدث تاريخي، ولكنهما فوق التاريخ من ناحية أخرى.
لاهوت التنزيه
في ص 97 يقول الكاتب ”لولا السقوط ما ظهرت كلمة غير المنظور كوصف لله“. هذا خطأ بالطبع! اللاهوت الأبوفاتي التنزيهي بيعبر عن تسامي الله ومفارقته لكل ما هو مخلوق حتى الملايكة قبل وبعد السقوط.. الآباء ومنهم ذهبي الفم اتكلموا على أن كل ظهورات الله في العهد القديم كان فيها نوع من التنازل والإخلاء.. فضلاً عن أن العهد الجديد نفسه أكد على أن الله لم يره أحد قط الابن الوحيد هو خبّر.. وأن الله ساكن في نور لا يدُنى منه.. وأن اللوغوس هو صورة الله غير المنظور.. وكل ده بصرف النظر عن السقوط. في ص 98 بيتكلم الكاتب عن ظهورات الله في البرق والرعد على أنها تخص العهد القديم فقط، فماذا عن سفر الرؤيا مثلاً في رؤ 4: 5، و11: 19.  
تعميمات خطرة
من هنا دايمًا عدم التوازن هيخلينا نقول bogus claims مش مؤيدة بدلائل زي ص 60 مثلاً ”الآباء لم ينظروا إلى التجسد سوى أنه شفاء للبشرية“. في الحقيقة كذا منظور للخلاص فيه بينهم تكامل، يمكن الرجوع لكتاب ”منظورات الخلاص: تكامل أم تناقض؟“ (دار نشر رسالتنا). من التعميمات الأخرى ص 15 عن كتاب المبادئ أنه أول كتاب في اللاهوت شرقًا وغربًا.. ولو يقصد اللاهوت النظامي، فشرح الكرازة الرسولية لإيريناؤس هي أولى المحاولات لكده. في ص 208 بيقول الكاتب ”الغالبية العظمى من الآباء ولا سيما الشرقيين قالوا بوجود فرصة للخلاص في الجحيم“. هذا غير صحيح! لأن من قال بذلك هما 3 فقط: إكليمندس السكندري، وتلميذه أوريجانوس، وتلميذه غريغوريوس النيسي. اقتباس كيرلس الأورشليمي.. لم يُذكر المرجع. قصة مكاريوس الكبير والجمجمة تتكلم عن راحة للميت في العذاب وليس تغيير حالته. مع العلم أن هذا التعليم أدين فيما بعد، وقد تراجع عنه أوريجانوس فيما بعد كما يظهر مثلاً في كتاباته المتأخرة مثل العظات على أرميا إذ يقول: ”طالما نحن في هذه الحياة، نعتبر إناء من الفخار الخام، إمّا أن نكون مصنوعين من الرذيلة أو الفضيلة.. لكن حينما نعبر الزمن الحاضر ونصل إلى الحياة الأخرى، سوف نجوز في النار، سواء نار سهام الشرير المشتعلة أو في النار الإلهية بما أن إلهنا نار آكلة، وفي كلتا الحالتين سواء كنا أشرارًا أو صالحين، فإن بعد كسرنا لن يمكن إعادة تشكيلنا ولن نكون قابلين للإصلاح. هكذا طالما نحن في هذه الحياة، كأنما في يد الفخاري: إذا وقع الإناء من يديه، يمكنه أن يعالجه ويصلحه. فلنتب نحن عن خطايانا.. لأنه بعد خروجنا من العالم لن نتمكن لن نتمكن من الاعتراف بخطايانا وتقديم توبة“. المرجع (أوريجانوس، العظات على إرميا، عظة 18).
وعلى الرغم أن الكاتب بيقول في ص 210 إن ”صلاتنا من أجل الراقدين ذات فائدة عظيمة، قد لا تغير حالته، ولكن على الأقل تعطيه بعض الراحة“، يعود فيقول في ص 212: ”صحيح لا نستطيع أن نجزم أن صلاتنا تغير من حالة المنتقل، ولكن نعلم أنها ذات تأثير عظيم قد يصل إلى تغير حالته“. يبقى بيقول لا نجزم أنها تغير.. بس هي تغير.. والكلام في أجزاء كبيرة يصب في صالح إمكانية تغيير الحالة في الجحيم. وده تعليم ما يسمى بالأبوكتاستاسيس أو الخلاص الشامل. اللاهوتي الأرثوذكسي جون مكاجن الذي ذكر أن أوريجانوس قد تراجع عن الفكرة واعتبرها فكرة حمقاء، وذلك في خطاب له أرسله لأصدقائه في الأسكندرية (John McGucking, The Westminster Handbook to Origen, p. 15).  
اقتباس ق كيرلس في ص 225 مش بيقول فرصة تانية أو إمكانية تغيير حالة المنتقل.. لكن بيقول أن كرازة المسيح في الجحيم استفاد منها اللي كانوا مستنيين على رجاء القيامة أو الذين عرف الله أنهم كانوا هيؤمنوا بيه لو ظهر في زمانهم.. وبيقول في نفس الاقتباس ”أما النفوس الذين عبدوا الأصنام... فكانت مثل عمياء بسبب شهواتهم الجسدية“ (ص 226).. يعني لم يستفيدوا من كرازة المسيح في الجحيم! لكن مع وضوح من المستفيد من هذه الكرازة إلا إن الكاتب يستبق هذا ويقول ”إن الجدل المصاحب لتلك الفقرة هي عدم وضوح ما إذا كان هؤلاء قد خلصوا أم بعضهم فقط“ (ص 217). يعني الكاتب مع خلاص كل من في الجحيم أو على الأقل بعضهم. من أن الموضوع مش محتاج جدل لأن ق كيرلس حدد مين اللي استفاد من هذه الكرازة.
الفكرة الأخرى التي يشدد عليها الكاتب هي أن هذه الكرازة في الجحيم مستمرة حتى الآن! مع أن لا أحد من كل الآباء اللي اقتبس ليهم لم يقولوا بهذا! وحجته في هذا أن أعمال المسيح غير خاضعة للزمن. لكن لا أجد ما يدعم من الاقتباسات الآبائية في هذا الموضوع ما يشير لهذا! نأتي لحالة يوحنا ذهبي الفم اللي بيتعرض لحالة من التلبيس وتقويل الرجل ما لم يقله.. وهذه ليست المرة الأولى. في اقتباس ص 213 اللي وضحنا فيه أنه يؤكد أن الصلاة على الراقدين تجلب راحة وليس أكثر.. لا يكمل الكاتب بقية الاقتباس علشان يعرفنا الكنيسة بتصلي من أجل مين بالتحديد.. المرجع هو عظة ”لا تبكوا على الراقدين“ (PG 63, 801- 812) واللي ترجمها د جورج عوض.. أترك لكم هذا الاقتباس:

ذهبي الفم بيقول التظهر هناك مستحيل (ص 35). حتى الاقتباس الذي لجأ إليه الكاتب في 213 واللي بيقول إن الصلاة بتعطي راحة فقط، لا يذكر الكاتب أنه بعد ذلك بسطور قليلة يقول ذهبي الفم ”كل هذا يقتصر بالتأكيد على الموتى المسيحيين المعمدين“ (ص31)! ذهبي الفم هو أكثر مَن حذر شعبه في عظاته على أنه لا توجد فرصة أخرى بعد الموت، فمثلاً في مقاله ”رسالة إلى ثيؤدور بعد سقوطه“ إذ يقول: ”إذا رحلنا إلى العالم الآخر فلن تنفعنا أعمق توبة، حتى ولو صررنا على أسناننا وقرعنا صدورنا ونطقنا بكل عبارات الاستغاثة“، وأيضًا يقول: ”إن الرجاء لا يتبدد إلا في الهاوية، حيث يصير العلاج عديم الفائدة. أما هنا فمتى استخدمناه، ولو كنا مسنين (كبار في السن)، فإنه يجلب لنا قوة عظيمة“ (ستعود بقوة أعظم، ص15). يوحنا ذهبي الفم يُدلس عليه ربما عن غير قصد. خلاصة القول: أنا أرصد حالة من التحيز لنصوص آبائية معينة وهذه قراءة غير أمينة.. لا يجب أن نسرع في تصديق فكرة أو تكذيبها، لابد من بذل الجهد حتى نحصل على رؤية شاملة عما قاله الآباء بالفعل، ولا يجدر بنا الاكتفاء بالمصادر الثانوية فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق