الخميس، 29 أغسطس 2019

3 وجهات نظر عن جهنم



ليه بنتكلم عن جهنم لمّا يكون ممكن نتكلم عن محبة ربنا أو حنان ربنا؟ أولاً جهنم والدينونة الأبدية موجودين في الكتاب المقدس وتعاليم الآباء جنبًا إلى جنب مع الكلام عن محبة الله. بالإضافة إلى أن فكرة جهنم دفعت أعظم العقول أنه يتكلم عنها ويرد على الاعتراضات عليها زي ما هنشوف عند سي إس لويس. طبعًا أنا نفسي مدخولش جهنم، لا أنا ولا أي حد بحبه أو مش بحبه. بس المشكلة مش بنحب إيه ومش بنحب إيه! الموضوع مش تفضيلات شخصية، بل الأمر هو هل فعلاً بناخد كلمة ربنا بجدية ولا لأ. بس هي دي المسألة. خلينا نشوف 3 مواقف معروفة عن جهنم، هي كالتالي:

1- النظرة التقليدية (العذاب الأبدي).. ودي بيشبهوها بوضع حجر في النار. لا النار هتخلص ولا الحجر طبيعته هتتغير. النظرة دي بتعبر عن قراءة مباشرة لنصوص كتابية وآبائية كتير، وبتخدم فكرة العدل الجزائي (retributive justice). من الآيات اللي بتعتمد عليها ما يلي: دانيال 12: 2؛ مت 25: 41، 46؛ مر 9: 47- 49. وكمان رؤيا 14: 9- 11 ولاحظ تعبير ”أبد الأبدين“، ورؤيا 20: 10، 5. من الاعتراضات الموجهة لهذه الآيات هو أنهم بيقروا كلمة ”أبدية“ (ainoios) بمعنى ”دهرية“ يعني خاصة ب ”دهر“ ما من الزمن.. قدي يكون مدة طويلة ولكن محدود في المهاية. لكن كمان أهم الردود على الاعتراض ”الساذج ده“ هو: هل ينطبق نفس الشيء على تعبير الحياة ”الأبدية“ (ainoion)؟ هل الحياة الأبدية هي كمان فترة محدودة؟! خاصة وأن نفس الكلمة هتيجي في نفس الآية لتعبر لوصف كل من العذاب الأبدي والحياة الأبدية؟ زي مت 25: 46 ”فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ (αἰώνιον) وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ (αἰώνιον (“.  
2-  نظرية الإفناء annihilation.. ودي بيشبهوها بوضع ورقة في النار.. الورقة هتتلاشي تمامًا. وأصحاب النظرية دول بيستشهدوا بالآيات اللي فيها كلمة ”يهلك“.. هلاك للنفس، زي مت 10: 28؛ يو 3: 16؛ رو 6: 23، و1يو 5: 12 اللي بتقول ”مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ“. طبعًا الرد على النظرية دي هيكون بالآيات اللي بتثبت النظرية السابقة ليها.. وعبارة ”ليس له الحياة“ مش معناه أنه هيفنى.. ولكن لن يذوق الحياة.. مش الوجود.. في آيات بتقول إن المتنعمة ماتت وهي حية! (1تي 5: 6). 
3- نظرية المطهر.. ودي بيشبهوها بوضع أدوات الجراحة في النار.. النار هتطهرها وهتطلع زي الفل من جديد. طبعًا النظرية دي بتعتمد على الآيات اللي فيها عبارة ”أزمنة رد كل شيء“ (أع 3: 21)، والآيات اللي بتعبر عن رغبة ربنا في خلاص الجميع وقدرة ربنا على أنه يخلص الجميع. لكن الرد على هذه النظرية هيكون بكلام المسيح على أورشليم ”كم مرة أردت... ولم تريدوا“ (مت 23: 37). المشكلة مش من ناحية ربنا واشتياق قلب الله.. ولكن المشكلة من ناحية الإنسان والحرية اللي معطاه ليه.. ورينا مش هيجبر شخص يدخل السما بالعافية.. وإلا تحولت السماء بالنسبة لهذا الإنسان إلى جحيم فعلي!
سي إس لويس والجحيم
من أشهر المدافعين عن الإيمان المسيحي في العصر الحديث هو سي إس لويس، واللي تعرض ودافع عن عقيدة الجحيم في اكثر من كتاب ليه، زي ”الطلاق العظيم“، وأيضًا ”إشكالية الألم“ اللي فيه فصل مخصوص للرد على اعتراضات شائعة على الجحيم.. حابب ألخص هذا الفصل معاكم. أولاً هو بيدافع برضو عن حرية الإرادة وبيقول: ”أود أن أدفع أي ثمن لكي أتمكن من أن أقول بصدق "الجميع سوف يخلصون"، لكن منطقي يرد بحسم: بدون إرادتهم أم بإراداتهم؟ فإذا قلت بدون إرادتهم، فإني سأفهم في الحال أن هناك تناقضًا، فكيف فكيف يمكن لفعل إخضاع الذات الإرادي.. أن يكون غير إرادي؟ وإذا قلت بإرادتهم، فإن منطقي سيرد، وكيف سيحدث هذا إذا لم يخضعوا؟[1]
من ناحية تانية لويس بيقول إن عقيدة جهنم يمكن إثبات صحة أساسها الأخلاقي من خلال الرد على الاعتراضات عليها.. فمثلا اعتراض ”عدم التناسب“ بين الحياة الأرضية المحدودة والعقوبة اللانهائية، بيقول إن الاعتراض فيه مشكلة لأنه قائم على تصور أننا فاكرين أن الأبدية زمن طولي زي زماننا دلوقت.. وده مش صحيح.[2]ومرة تانية بيقول إن ”باب جهنم مغلق من الداخل“.[3]وأن المتمردين دلو هما االلي استعبدوا أنفسهم لهذه الحالة.
مرة أخرى بيرد على اعتراض آخر عن الرعب المصاحب دائمًا لعذابات الجحيم. وبيقول إن في فرق بين العقيدة نفسها والتصويرات.. وإن ”كل التعبيرات يُقصد بها شيء مريع ورهيب بصورة لا يمكن وصفها“.[4] وفي تعليقه على أن الله أعد لينا مكان في السماء، أمّا الجحيم مُعد لإبليس وجنوده، بيقول حاجة حلوة إن دهمعناه إن الدخول للسما هو أكثر آدمية.. أما دخول الجحيم فمعناه أن تُحرم من الإنسانية.[5]
ثم يأتي لاعتراض شهير وصعب هو: ”كيف لإنسان محب أن يفرح في السماء ويعلم أن هناك نفس بشرية في الجحيم؟“ لكن سي إس لويس بيقول ”هل نكون نحن أكثر رحمة من الله؟[6] في هذه الحالة. وبيقول إن في خطأ في الاعتراض وهو أن اللي بيسأل بيفترض أن السماء والجحيم سيتوجدان معًا ”كما يتواجد معًا تاريخ كل من أنجلترا وأمريكا“ الآن. وبيقول إن ده غلط! كده بينتهي كلامي عن سي إس لويس وعاوز أكمل شوية في الاعتراض الأخير لأن البعض بيقول: إزاي تعيش في شقتك المريحة وأنت سعيد وفرحان والشقة اللي تحت منك عايشين في عذاب أبدي؟
وللرد عاوز أقول الآتي:
1- أقر بصعوبة الإجابة على هذا السؤال.. لكن من خلال ما سبق أقول زي لويس لما سأل: هل أكون أحن من الله؟! وهل هيتجاور الجحيم مع السماء تاريخيًا.. زي ما شبه لويس بتاريخ إنجلترا وأمريكا الآن.
2- أتصور أن الله سيعطينا شرحًا كافيًا وسنتيقن من عدالة الله، وسيكون بمقدورنا أن نرى الأمور من منظور الله أكثر.. وستتطابق مشيئتنا مع مشيئته برضا.
3- السماء هي المكان اللي مفيهوش لا حزن ولا دموع ولا ندم ولا أسف.. فمن غير المتصور أن يوجد هذا الانشغال والوسواس بحال من ليسوا بموجودين.. وإذا وجد مثل هذا الوسواس فلم تعد تُسمى سماءً!!
4- الاعتراض بيوحي بقدرة الجحيم على تكدير صفو السعادة في السماء.. وهذا أيضًا شيء لا يمكن تصوره! هل التمتع بالله وبمعاينته لن يجلب سعادة لا يعكر صفوها شيء؟ كده بنسمح بإمكانية وجود منغصات أخرى محتملة!
في النهاية هذه محاولة لفهم موضوع أخروي في غاية التعقيد. 



[1] سي إس لويس، الله- الإنسان والألم، ترجمة هدى بهيج، سلسلة الكلاسيكيات المسيحية، صفحة 120.
[2] نفس المرجع ص 124.
[3] نفس المرجع، 127.
[4] نفس المرجع، ص 125.
[5] نفس المرجع، ص 126.
[6] نفس المرجع.

هناك تعليق واحد: