(بيانات الكتاب: ترجمة رسالتين للقديس كيرلس أرسلهم لأختين
للأمبراطور ثيؤدوسيوس الأول، د جورج عوض، بمعرفة المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية،
في 275 صفحة)
في بداية المقالة الأولى بيقول ق كيرلس للملكات إن اللي
كتبه ده للناس إللي لم يتعلموا الإيمان المستقيم أو تحولوا عنه، ومن خلال ما كتبه "سوف
يُظهر لهم بأكثر وضوح وأمان، وبطرق كثيرة، كيف يستنتجون أفكارًا إيمانية مبرهنًا
عليها من الكتاب الموحى به من الله" (ص 80). وفي بداية المقال الثانية
بيقول "نحن... نمارس عمل المعلم، نجمع من الكتاب المقدس، كما من حقلٍ، ليس
ما يشبه ورودًا قد تذبل، بل بالحري أقوالاً وتعليمًا مقدسًا يمنحه الروح.."
(ص 205).
وبالفعل ق كيرلس في جزء صغير نسبيًا من الكتاب استشهد بأقوال
آباء مهمين، لكن الجزء الأكبر من هذا الكتاب عبارة عن فقرات كتابية والتعليق عليها
والربط بينها. وهو بيثبت قضيتين أساسيتين: 1- ألوهية المسيح، 2- وحدة شخص المسيح
الكلمة المتجسد. ناخد القضية الأولى: يبهرنا ق كيرلس بتربيطاته الذكية بين نصوص
الكتاب المقدس لإثبات ألوهية المسيح. على سبيل المثال:
- من (رو 8: 8-
10) روح الله يُسمى روح المسيح: إذن المسيح هو الله.
- من (رو 16: 20)
و (يو14: 27) طالما إن الله هو واهب السلام والمسيح أعطى السلام: إذن المسيح هو
الله.
- من (1كو2: 6-
8) دُعي المسيح رب المجد.
- من (1كو3: 10-
11) المسيح هو الأساس الذي يُبنى عليه إيماننا: إذن المسيح هو الله.
- من (1كو4: 5-
6) المدح هو من الله، والمسيح في مت 25: 24 يمدح الأبرار: إذن المسيح هو الله.
- من (1كو12: 8)
الله أعطى مواهب متعددة، والمسيح في مت 10: 1 أعطى مواهب لتلاميذه: إذن المسيح هو
الله.
- من (2كو5: 14-
15) نحن نعيش من أجل المسيح: إذن المسيح هو الله.
- من (غل 3: 23-
27) الناموس كان مربينا ليوصلنا فقط إلى المسيح: إذن هو الله.
- من (غل 6: 14)
الافتخار بصليبه والافتخار يكون بالله فقط: إذن هو الله.
- من (أف 3: 14-
17) المسيح يحل في قلوبنا: إذن هو الله.
- من (في 3: 7-
9) الإيمان به يفوق الإيمان بالناموس: إذن هو الله.
- من (عب 10:
28- 29) إهانة دمه أعظم من إهانة الناموس: إذن هو الله.
- من (يع 4: 7)
بيقول اخضعوا لله، ومن مت 11: 29 المسيح بيقول احملوا نيري: إذن المسيح هو الله.
- من (مت 3: 11-
12) البشر بيسموا "بيدره" وكل البشر ينتمون إلى الله: إذن المسيح
هو الله.
- من (مت 13:
40- 42) الملائكة يسمون "ملائكته": إذن هو الله.
- من (يو2: 24-
25) ومن (مز 33: 15)، المسيح يعرف ما في قلب الإنسان: إذن هو الله.
- من (يو15: 16)
الصلوات تُرفع باسمه: إذن هو الله.
- من (يو3: 17)
الحياة الأبدية هي أن نعرفه: إذن هو الله.
- من (1يو 5: 1)
لأنه مولود من الله، إذن هو الله.
- من (يو 6: 27)
بيقول لأن الله الآب قد ختمه، و"الختم يعني بالضبط المثيل"، فهو
يشبه الآب في كل شيء: إذن المسيح هو الله.
- ومن (عب 1: 3-
4) بيقول نفس الفكرة السابقة ملمحًا لتعبير "رسم جوهره" بأن
المسيح هو "ختم الله". مع أن الكلمة اليونانية مختلفة هنا عن الآية
السابقة.
عمل المسيح كديان.. دليل ألوهيته
هذه الفكرة تكررت 4 مرات في كتاب "الإيمان
القويم للملكات". في البداية في ص 102 ق كيرلس بيقول الآتي: "يقول
بولس الطوباوي إننا يجب أن نحضر جميعًا أمام منبر المسيح لكي يأخذ كل واحد كل ما
فعله حين كان في الجسد خيرًا كان أم شرًا. وقال واحد من الرسل أيضًا "وَاحِدٌ
هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ
يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟" (يع 4: 12)". وقال شاهد تاني صعب شوية
عن ربنا ماسك كأس والأشرار هتشربها.. ثم يكمل الآتي "إذن عندما يقول إن
قرار الله العادل الخاص بكل واحد منا، هو القرار الذي سوف يصدره المسيح ذاته من
المنبر الإلهي (لأننا سوف نحضر أمام منبره، وليس كأنه واحد منا، لكن من جهة أنه
الديان والله والمشرع)، فكيف لا يكون المسيح هو الله". يعني طالما إن
المسيح هيقوم بدور الديان.. وده دور خاص بالله.. إذن المسيح هو الله.
مرة كمان في ص 106 بيقول نفس الحكاية.. إننا هنظهر قدام
عرش المسيح، إنه سيدين المسكونة بالعدل.. وبيقول "بالرغم إن داود يقول الله
هو الديان، إذن المسيح هو الله". ومرة كمان في ص 115 بيقول المسيح يدين
المسكونه، وإن واحد هو المشرع والديان (إشارة إلى آية يع 4: 12)، فمن الواضح إنه
الله. مرة كمان ص 138 نفس الشيء المسيح يجلس على كرسي مجده ليدين.... إذن المسيح
هو الله. ومرة رابعة في ص 275.. بيجيب آية المزامير اللي بتقول "لأن الله
هو الديان"... وق كيرلس شايف إنه طالما اللي يدين لازم يكون الله.. فبما
أن الآب أعطى الابن كل الدينونة... علشان هما الاثنين من نفس الكرامة.. والله لا
يعطي كرامته لآخر (إش 48)، لذلك ق كيرلس قال جملة مثيرة للانتباه "لأن مجد
الله أن يكون ديانًا"، وبالتالي يكون المسيح هو الله.
نفس هذه المنهجية في البحث يتابع ق كيرلس إثبات وحدة شخص
المسيح، وأنه لا يوجد ابنين أو مسيحين، من خلال الربط بين نصوص الكتاب المقدس.
هل بسبب الموت أخطأ الجميع؟
يذكر المترجم أستاذنا د جورج عوض في حاشية في ص 230،
مؤكدًا على الفرق بين قراءة أغسطينوس لآية رو5: 12 "إذ أخطأ الجميع" في آدم
بحسب أغسطينوس، وفي الموت بحسب الآباء الشرقيين. ويشرح د جورج إن الموت الناتج عن
الخطية هو السبب في خطايا بقية الجنس البشري بخلاف آدم. أريد أن أفكك هذه الفكرة
حتى نفهم سبب الخناقة! هل الموت اللي هو نتيجة خطية آدم هي السبب في خطايا كل نسل آدم،
أم أن خطية آدم نفسها هي التي أصيبت الطبيعة البشرية التي يورثها آدم بمرض أو جُرج
كبير جعل من المستحيل على نسل آدم ألا يخطئوا؟ (حاولت توضيح الفكرة بالرسم البسيط
التالي: الفكرة الأولى باللون الأسود، والثانية بالخط الأحمر المتقطع)
في البداية الفكرة الأولى يقول بها لاهوتيو الروم الأرثوذكس
وغيرهم، والفكرة الثاني يقول بها لاهوتيو الغرب وغيرهم. تعال نرى كيف يفسر
رومانيدس الفكرة الأولى في كتابه "الخطية الجدية" إذ يقول إنه
بسبب الموت، لاحظ بسبب الموت "أصبح الإنسان يهتم بضروريات الحياة لكي يبقى
حيًا... وتصير قوة الخوف من الموت، الأصل الذي منه ينبع تعظيم الذات والأنانية
والكراهية والحسد وغيرها من الأهواء المماثلة".[1] بيشرح
رومانيدس أن الإنسان في محاولته لتجنب الموت خايف تكون حياته بلا معنى.. فيبدأ
يتكلم عن نفسه ويحب الناس اللي بتتملقه.. ويكره اللي بينتقده.. "ويسعى للأمان
والسعادة في الثروة والمجد والمتع الجسدية".
مرة أخرى يقول بنفس الرأي الباحث أمجد بشارة في كتابه "قصة
الحب العجيب" إذ ينقل عن رومانيدس أيضًا قوله "بما أنه يعيش باستمرار
خائفًا من الموت، فهو يسعى على الدوام نحو الأمان النفسي والجسدي فيصبح ميالاً إلى
أناه ونفعيًا في مواقفه".[2] ويشرح
أمجد أنه عندما سيطر الموت على فكر البشرية صارت البشرية "تتهرب منه بطرق
شتى بالانغماس في الملذات وبارتكاب شرور متتالية".[3]
ستلاحظ في هذا الكلام أنه لا ذكر لعطب/ أو جُرح/ أو خلل
ما حدث في طبيعة الإنسان الأول، مما سهل على نسل آدم أن يخطئوا. بل الحديث كله
يعتمد على أن فكرة الخوف من الموت هي سبب استعباد الإنسان للملذات. ولأهمية هذه
الفكرة كنت أتمنى أن أجد نصوص آبائية تدعمها. في المقابل تعالى ننظر ماذا قال ق
كيرلس في كتابنا هذا "الإيمان القويم للملكات" ص 299: يقول: "لأن
طبيعة الإنسان كان محكومًا عليها بالموت بسبب عصيان المخلوق الأول، كان يجب أن
تعود ثانية إلى حالتها الأولى مظهرةً طاعتها، غير أن هذا كان بالفعل أكبر وأسمى من
القدرات البشرية؛ لأنه ليس أحد طاهرًا من الخطايا. لأنه إذ كان (المخلوق الأول) قد
سقط مرةً واحدة في الخطية، وصار أسير ضعفه، وتغذت طبيعته بشهوات الجسد الذي أصبح
جذرًا وحاملاً لناموس الخطية المتوحش، فكيف له أن يتجنب هذا تمامًا؟". ويقول
مرة أخرى ص 245 "إن الطبيعة البشرية (في المسيح) هزمته (الشيطان) بمعونة
المسيح وعطلت ناموس الخطية المميت الذي توحش في أعضاء الجسد، لأنه أبطل بواسطة
المسيح".
هل فهمت من ق كيرلس أن سبب خطية نسل آدم هو "الخوف
من الموت" أم أن السبب هو طبيعة آدم التي تغذت بشهوات الجسد وصارت حاملة
لناموس الخطية المتوحش؟ والسؤال الثاني الذي أريد القارئ أن يجيب عليه: هل كلام ق
كيرلس هنا أقرب إلى فكر رومانيدس أم فكر أغسطينوس؟
حتمية الصليب
يعبر ق كيرلس عن هذه الفكرة أكثر من مرة فيقول "لأنه
لم تكن توجد طريقة أخرى لخلاص العالم، سوى بدم وموت.. وطالما خلُصنا بصليب المسيح،
كيف لم يكن تجسد الكلمة الذي ولد من الله حتميًا لكي يمنح البر بدمه..؟" (ص163).
ومرة أخرى يقول "لم يكن ممكنًا أن يصير المسيح كفارةً لأولئك الذين كانوا
محكومًا عليهم بثقل الخطية واللعنة وإدانة الموت- بطريقة أخرى- إلا فقط بالدم الذي
يُسفك لغفران الخطايا.. فكيف لم يكن ضروريًا أن يصير الكلمة جسدًا لكي يقدم البر
بدمه...؟" (ص 160). وهنا ق كيرلس يكرر ما سبق أن قاله ق أثناسيوس في (تجسد
الكلمة 9: 1) "لم يكن ممكنًا أن يُقضى على فساد البشرية بأي طريقة أخرى
سوى الموت نيابة عن الجميع".
كيف عوقب المسيح على الصليب؟
يقو لق كيرلس في هذا الكتاب إن المسيح افتدانا من لعنة
الناموس.. وأن المسيح "تألم بكل ما يليق بالملعونين جراء قرار ظالم، حتى..
يموت لأجل الجميع" (ص 209). وحسنًا يقدم المترجم د جورج حاشية يؤكد فيها
على أن المسيح لم يعاقب كخاطئ، بل "بقرار ظالم". وهذه نقطة
اتفاق. حتى أن قداسة البابا شنودة الثالث يقول عن المسيح أنه "حمل العقوبة
فعوقبت فيه البشرية كلها، ليس لأنه خاطئ، وإنما لأنه حامل خطية.. فرق بين خاطئ
وحامل خطية، هو بار وقدوس ولكنه حامل خطية، حامل خطية العالم كله".[4]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق