مقالة للقديس يوحنا ذهبي الفم ترجمة د سعيد
حكيم، بمعرفة المركز الأرثوذكسي، 57 صفحة.
دي عظة عن حرية الإرادة كان بيشرح فيها ذهبي
الفم آية إرميا ”عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ
لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ“ (إر 10: 23). وفي البداية ذهبي
الفم يفرق بين النصوص السهلة والنصوص الصعبة في الكتاب المقدس، اللي بتحتاج يقظة
وجهد هيثمر بفرح فيما بعد لما نعرف معانيها. وبيقارن صعوبة الآية دي بالمشادة اللي
حصلت بين بطرس وبولس من حيث صعوبة تفسيرها.
اللافت أن ذهبي الفم بيقول إن الآية دي
أصبحت منتشرة في كل مكان، وكل ما تروح في حته تسمع واحد بيقول ”الإنسان لا يختار
طريقه“، ومعاها آيات تانية زي ”ليس من يشاء ولا لمن يسعى“، أو ”إن لم يبن الرب
البيت“.
وبيخدوا الآيات دي حجة للتراخي كما لو كان
الأمر مش بإيدينا. لكن ذهبي الفم بيقول: ”إن كان ما يجب أن نفعله، لا يعتمد
علينا نحن، فكل من يصنع حسنًا لا يستحق المديح.. وكل من يرتكب خطية لا يستحق جزاء
وعقوبة“. ثم يقول ”بالحقيقة لم يُظهر الشيطان رغبة قوية في شيء، بقدر (رغبته
في أن) يبين للنفس الإنسانية بأنه غير محكوم عليها بالعقوبة بسبب خطاياها“
(33). لأن هدف الشيطان أنه يقيد أيادي من يمارسون الفضيلة ويقوي فيهم الشعور باللامبالاة.
ثم يحذر من الاقتطاع من الكتاب المقدس..
وتحذر من تقسيم وحدة الكتاب المقدس وعدم مراعاة المناسبة والسياق. ويقول: ”لا
يكفي أن تقول، مكتوب في الكتاب المقدس، بل ينبغي أن تقرأ النص كله؛ بمعنى أنه لو
كنا ننوي أن نقطع المعنى المتصل والمترابط للنصوص، عندئذٍ سينتج عن ذلك الكثير من
العقائد المنحرفة“ (35).
ويقدم أمثلة على كده.. زي آية ”الزواج أفضل
من التحرق“ اللي خدها البعض للتحلل من نذر البتولية. ذهبي الفم بيقول إن الآية دي
مش مقصود بيها الرهبان.. بل من لم يأخذوا القرار بالبتولية بعد، بدليل آيو 1تي5:
11- 12 اللي بولس بيوبخ فيها العذارى اللي كسروا نذرهن. ويقول إن ”تمزيق النصوص
يدمر العقائد“. ثم يؤكد أيضًا ”لا ينبغي أن نتناول مقاطع من الكتاب المقدس
بعيدًا عن هدفها. ولا نقتطعها من سياقها المتصل، ولا نفصلها عن تتابعها الزمني
المنطقي، ولا نأخذ الكلمات معزولة عن معنى الكلمات اللاحقة والسابقة عليها، وهكذا
ننقاد إلى فساد في المعنى“ (42).[1] ذهبي الفم عايززنا نقرأ
النصوص الكتابية زي ما بنقرأ التشريعات الملكية.
بعد كده يستعرض أحد التفسيرات اللي بتقول إن
كلام إرميا مقصود بيه نبوخذ نصر الملك! ثم ينظر إلى السياق اللي اتقالت فيه
الآية.. ثم يصل إلى أن تفسير الآية دي هنلاقيه في الكلام اللي بعديها ”لَيْسَ لإِنْسَانٍ
يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ“. وبيقول إنه في أمور بتعتمد علينا، وأمور
بتعتمد على ربنا. الفضيلة تعتمد على إرادتنا في الاختيار.. لكن ”أن نكمل كل ذلك
ولا نسمح لأنفسنا أن تبقى في المنتصف، حتى نصل إلى نهاية جهادنا، فهذا يعتمد على
النعمة الإلهية“ (48).
مش كل شيء بيعتمد علينا، لئلا نفتخر
بأنفسنا! ولا كل شيء بيعتمد على الله لئلا تسقط نفوسنا في اللامبالاة! ”ترك
الله القليل فقط يعتمد على جهادنا، بينما الجزء الأعظم يتممه ويكمله هو“
وبيطبق نفس الشيء على مثل الفعلة وقال أكيد أصحاب الحادية عشر انجزوا جزء ضئيل
جدًا ومع ذلك كان كافي لدى الله ليعطيهم المكافأة.
ولو إرميا يقصد إلغاء الإرادة مكنش قال بعد
كده ” أَدِّبْنِي
يَا رَبُّ وَلكِنْ بِالْحَقِّ“ (إر 10: 24). لأنه هيكون من الظلم أن يدان شخص هو
معندوش سلطان على اتخاذ القرار. ويقول أيضًا ”فإن الخطية تكون فقط، عندما يكون
لدينا إمكانية ألا نعصي أو نخالف الحق، ومع ذلك نخطئ ونعصي“ (51). ثم يجاوب على
سؤال افتراضي: طب لو اخترت الصح ولكن لم ينجز أو يتمم، هل أعاقب؟ ذهبي الفم بيقول
إن ربنا استحالة هيسيب إنسان كان عندة إرادة حقيقية وبيقول ”الرجاء لا يخزى“، خلي
عندنا رجاء إن الله لن يتخلى عنا أبدًا.
[1]
بالمناسبة هذا ما كان يدعو إليه الراحل البابا شنودة الثالث عن خطورة الآية
الواحد. حتى الكتاب الأجانب بيقولوا مثلاُ: never ever quote a bible verse بمعنى لا تقتبس أبدًا آية كتابية.
لكن quote a bible passage أي اقتبس فقرة كتابية. بينما يقول
آخر: a text without
a context is a pretext
أي نص بلا سياق (أو قرينة) يمثل ذريعة (لتعليم شيء مخالف عما يقصده النص).
مقال حلو وعرض بسيط ومتقن
ردحذف