بيانات الكتاب:
ده كتاب اسمه "أعمال الشهداء" (Acta
martyrum)
إصدار بناريون، ويحوي وثائق محاكمات للشهداء
في القرون الأولى للمسيحية.
الكتاب شيق للغاية لأنه بينقلنا للعصور
الأولى للمسيحية، وهنلاقي فيه قصص لشهداء غير معتادين بالنسبة لينا.. لدى قراءتك
للكتاب ده والقصص اللي فيه، هتلاقي بعض الملامح العامة في قصص وأخبار الشهداء
ووثائق محاكمتهم، حاولت ألخصها في الآتي:
1-
يُذكر
في بعض قصص الشهداء أنهم لم يكونوا في الجسد ساعة تعذيبهم (زي بوليكاربوس ص 34)،
وكانت عيونهم مثبتة على السماء (زي يوستين صفحة 80).
2-
كان
الشهداء يؤمنون بأن بإقدامهم على الاستشهاد فإنهم يقتنون السماء (بوليكاربوس ص
34).
3- يُظهر
الشهداء شجاعة منقطعة النظير (بيونيوس: اشعلوا نارًا وسوف نصعد عليها من تلقاء
ذواتنا. ص 196).
4-
أنهم
بهذا الاستشهاد يتحررون من هذا العالم، وفور إصدار الحكم يشكرون الله على ذلك.
5-
محاولة
ربط معاناتهم بما حدث مع آلام المسيح، فيقول بوليكاربوس كأنهم على لص خرجوا (ص
36).
6- مورس
عليهم كافة أنواع الإغراءات (راعي شيخوختك.. راعي شبابك.. راعي أولادك وزوجتك
"كما في فيلياس ص 409".. الحياة حلوة.. النور حلو.. إغراء بالمال.. إغراء
بآخرين استسلموا وذبحوا للأوثان) وكانت تقابل جميعها بالرفض. كذلك عدم الاستفادة
من المحامين للدفاع عنهم أو الرغبة في التبخير ولو بشكل صوري للأباطرة.
7-
رأى
الشهداء أن مجرد التبخير للأوثان خطية عظمى وخيانة للعهد مع المسيح، وقد يحرمون من
النعيم الأبدي وقد يؤدي ذلك بهم إلى النار الأبدية.
8- بعض
الروايات تعتمد على حوار درامي مؤثر بين الحاكم والشهيد يؤكد فيه الشهيد على عقائد
هامة زي الإيمان بالله الواحد خالق السماء والأرض وخلاص المسيح في تجسده.
9-
يظهر
من مجادلات الشهداء أنهم اعتبروا الأمر معركة بين الحق والباطل (فيلياس ص 410).
10- يظهر
اهتمام المؤمنين بإكرام جسد الشهيد ودفنه، وهناك معونة إلهية تصاحب من يهتمون
بالجسد (يوستينوس ص 85).
11-
هناك
حديث في بعض الأحيان عن ظهورات للشهيد بعد استشهاده (بوتامينا ص 171).
12-
تظهر
لهفة من الشهيد للموت والبعد عن أي شيء يعطله.. لكن في المقابل في اعتراف بقيمة
الحياة لأنها من عمل الله.. إلا عندما يتعارض شيء مع الإيمان بالله واهب الحياة.
(بيونيوس ص 184).
لكن في موضوع لازم نجيب سيرته، وهو ما يعرف
بالشهداء العسكر.. اللي كانوا في الجيش ورفضوا التبخير للآلهة أثناء خدمتهم في
الجيش، أو رفضوا حتى أنهم يتجندوا في الجيش.
1-
عندنا
الشهيد مارينوس.. وده جندي وتولى مناصب كتيرة في الجيش، وفي ليلة ترقيته جه شخص
منافس ليه وقال عليه أنه مسيحي ولا يذبح للأباطرة.. هنا بنشوف المصالح الشخصية
بتتدخل في الموضوع. اعترف مارينوس بالمسيح ورفض الذبح للاباطرة وكانت النتيجة أنه
أُعدم.
2- عندنا
تاني الشهيد ماكسيمليانوس اللي عنده قصة مختلفة عن مارينوس.. لأن أبوه أخده
لاختبارات اللياقة أو الكشف الطبي للانضمام للجيش، لكن ماكسيمليانوس قال أنه
مينفعش ينضم للجيش وقال: "لن أخدم العالم، بل سأخدم إلهي فقط"،
"لن أقبل ختم هذا العالم"، وهدد بأنه يكسر ختم الجندية. الحاكم
اللي بيحقق معاه قاله: "هناك جنود مسيحيون في طاقم الحراسة المقدس
(للأباطرة).. هم مسيحيون ومع ذلك يخدمون". لكن ماكسيمليانوس قال: "هذا
شأنهم لكن أنا مسيحي ولن أقترف هذا الخطأ". فيقوله الحاكم: "ما
هو الخطأ الذي يقترفه من يتجند بالجيش؟"، فيجيبه: "ياللعجب! أنت
تعلم!". ثم يحكم عليه بالخيانة للقسم العسكري ويعدم.
هنلاحظ الفرق بين القصتين اللي فاتوا.. في
حالة مارينوس كان بيخدم في الجيش وضميره مستريح تمامًا.. لمن في حالة ماكسيمليانوس
كان بيرفض كده وبدوافع دينية كمان. وبالتالي نقدر نقول إنه في بعض الأحوال كان
الموضوع بيخضع لضمير كل شخص. نأتي لقصتين تاني في نفس الموضوع:
1-
عندنا
قصة استشهاد ماركيلوس في ذكرى احتفال الأمبراطور بعيد ميلاده، وجه ماركيلوس ورمى
حزام الجندية على الأرض وقال أنه من النهاردة ممتنع عن الخدمة العسكرية لأنه خادم
للمسيح. وبيقول جملة خطيرة جدًا: "ليس من اللائق أن يحارب المسيحي الذي
يحارب لأجل المسيح ربه، لصالح جيوش هذا العالم". طبيعي أنه يتحاكم بعد
كده بحسب القوانين العسكرية ويُعدم.
2- نأتي
لقصة الجندي يوليوس اللي استدعوه بعد صدور مرسوم بالذبح للآلهة.. ورفض. وبيقول
يوليوس في محاكمته أنه خدم في الجيش 27 سنة بأمانة وإخلاص وقائده لم يجد فيه خطأ-
لكنه ندمان على الفترة دي وبيعتبرها حماقة.
للتعليق على القضية دي في كتاب اسمه
"الآباء والخدمة العسكرية" إصدار دار الثقافة لكاتب اسمه لويس ج سويفت،
اللي بيقول: "إن المشكلة لم تنبع من مصدر واحد.. الأمر الذي جعل أحوال
المرء وحساسيته الخاصة تجاه وصايا الإنجيل هي من العوامل التي تقرر موقفه من
الخدمة العسكرية".[1] الكاتب كمان بيقسِّم الموقف
المسيحي لمرحلتين: الأولى: ما قبل قسطنطين ودي كان فيها الرأيين جنبًا إلى جنب.
رأي يحرم على المسيح القتال والعنف بكافة أشكاله، وده اللي بيستخدمه دعاة السلم
المطلق Pacifism.
لكن الرأي الثاني موجود أيضًا أن المسيحي بيخدم دولته ويحارب من أجل سلامها وأمنها
الداخلي والخارجي. وده اللي بيفسر وجود المسيحيين في الجيش حتى وقت متأخر من هذه
المرحلة وحتى عصر دقلديانوس نفسه. لأننا عارفين من كتاب "موت المضطهدين"
للاكتانتيوس أن دقلديانوس كان بيفحض أكباد الحيوانات للتكهن بالمستقبل فالمسيحيين
الجنود رشموا الصليب وعطلوا السحر فأمر بأن يذبح الجنود المسيحيين للأوثان في كل
الأمبراطورية.[2]
في هذه المرحلة بنلاقي آباء بياخدوا موقف
الموافقة زي رسالة إكليمندس الأولى (فصل 37، 61)، والموقف الرافض هنلاقيه عند
ترتليان وأوريجانوس ولاكتانتيوس.
لكن في المرحلة الثانية اللي هي بعد قسطنطين
سنجد أن الموقف المسيح اتطور كتير وتراجعت فكرة الرفض تدريجيًا.. وأصبح الكلام
أكثر عن مبررات الحرب.. وده بالمناسبة الموقف الوسطي إللي أنا بؤمن بيه.. موقف
الحرب العادلة Just war theory
اللي هي وسط بين السلم المطلق Pacifism
اللي بيحرم لجوء المسيحي للعنف أو القتل حتى للدفاع عن نفسه، والحرب
المقدسة Holy war
اللي بتقدس العنف باعتباره وسيلة الله لإدارة أمور البشر.. وده محتاج وحي أو إعلان
إلهي.. وهذا غير متاح الآن.
في نهاية كتاب "الآباء والخدمة العسكرية" بيقول الكاتب أنه حصل
قبول لفكرة الدولة المدنية اللي مطالبة بحماية حدودها الخارجية وأمنها الداخلي..
وان الحكومات موضوعة لمحاربة الشر، ويجوز لها استخدام السيف لذلك- وده مبدأ
الامتلاك الحصري للقوة للدولة- فمفيش مشكلة في كده، وهذا لا يعني تخلي المسيحيين
عن أن يكونوا دعاة سلام بما يتفق مع روح العهد الجديد.. اللي بالمناسبة فيه
الموقفين "رد سيفك إلى غمده"، وأدر الخد الآخر لكن في نفس الوقت
"السلطات مرتبة من الله"، والملك لا يحمل السيف عبثًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق