ستجد هذه المقالة مترجمة في كتاب
"ترتليانوس الأفريقي" ترجمة أمجد رفعت، إصدار مدرسة الأسكندرية، في
الصفحات من 159- 211.
في المقالة دي بيرد ترتليان على واحد اسمه
هرموجنيس اللي تأثر بتعاليم الرواقيين- وكتير من الفلاسفة اليونانيين- اللي بتقول
بأزلية المادة. لكن ما هي الأسباب اللي تخلي ترتليان بإيمانه المسيحي يرفض أزلية
المادة:
1- بيقول
إن أزلية المادة تجعل الله ليس له سلطان عليها، ”لكونها بلا بداية (مثلها مثل
الله)، فلا فضل لأحد في وجودها، وبالتالي لا سلطان لأحد عليها“، وبالتالي ده
ينفي ربوبية الله على المادة (ص 163).
2- لكن
استخدام ربنا للمادة في الخلق بيقول إنه رب عليها. لكن ترتليان بيشكك في كده؛ لأن
أزلية المادة تنفي كده.
3- الأزلية
ليست إلا لواحد فقط هو الله. ”فما جلال الله غير أزليته؟“ (163). فوجود
مبدئين أزليين ينفي عن الله صفة ألوهيته الفريدة. وينفي عنه ”كونه فوق كل الأشياء،
وقبل كل الأشياء، ومنه كل الأشياء“.
4- يرى
ترتليان إن القول بأزلية المادة هو القول بإلهين، وجعل المادة مساوية لله.
5- وبكدا
يظهر إن الله ليس هو ”الكل“، ولابد أنه يكون ناقصه شيء موجود في المادة.. لكن ”ما
هو أزلي... لا يقبل الانتقاص“ (166).
6- لو
المادة هي أصل كل خليقة.. ده يخلي المادة أعلى من ربنا؛ لأنها هي اللي وفرت الفرصة
لربنا أنه يتمم عمله.. وكده يكون الله هو اللي خاضع للمادة، لأن جوهر المادة في
الحالة دي ”لا غنى عنه بالنسبة لله“. لأن اللي بيحتاج لشيء بيخضع ليه..
وبالتالي المادة هي ”الغنية الوفيرة الحرة لأنها تقدم نفسها لمن هو صغير جدًا،
وضعيف جدًا، ومن ليس له حول في أن يشكل ما يريده من العدم“ (186)، وبالتالي
منقدرش نقول على ربنا أنه قادر على كل شيء.. لأنه ببساطة تحت رحمة المادة.
7- مرة
أخرى ترتليان بيقول مش هنقدر نقول إن الله هو رب المادة.. طالما كانت مساوية له..
ولها نفس صفاته.
8- أما
لو كانت المادة جوهرها شر.. يبقى الله استخدمها مجبرًا.. وبالتالي المادة جعلته
أضعف من أنه يخلق من العدم.. وبالتالي ده كمان يخلي أصل الشر هو من الله نفسه
(169). ترتليان بيقول: ”إن لم يكن هو المبدع (للشر)، فهو متستر عليه، فبقدر كل
هذا الصلاح الذي له، أبقى على الشر في المادة قبل أن يخلق العالم“ (170)، وكان
المفروض الله يصلح المادة.. بس محصلش.. وبالتالي إمّا إنه كان ضعيف، وتعوزه
القدرة، أو كان يقدر ولم يشأ.. وبالتالي ”يصير هو نفسه شريرًا؛ لأنه استطاب
الشر، وهكذا يتحمل هو نفسه عاقبة الشر“، وبيقول إنه بكده ربنا أجاز وجود الشر
بالتواطؤ سواء لما خلق العالم من المادة بإراداته أو كان مجبر.. في كلا الحالتين ”يكون
الله إمّا خادمًا للشر أو صنوًا له“ (171).
9- ترتليان
بيربط الصلاح بالأزلية.. لأن الأزلي كامل في ذاته.. وبيقول لو الشر أزلي ”إذن
هو شيء لا يُقهر ولا يُذلل، لأنه أزلي. وفي هذه الحالة يكون من العبث أن نجتهد
كيما نعزل الشر من بيننا“ (171- 172). وبالتالي لو الشر ليه نهاية- بحسب
الكتاب المقدس- يبقى لازم يكون ليه بداية (172).
10-
يقول
ترتليان إن المادة بحسب هرموجنيس قابلة للتحول.. وهذا ينفي عنها صفة الأزلية
(173).
11-
مرة
تانية يرفض ترتليان إن الله يكون خلق من المادة عن اضطرار.. لأن ده هيكون دليل على
ضعف الله.. وده بيخلي ترتليان يقول حاجة غريبة جدًا: ”الأفضل لنا أن نؤمن بالله
حرًا، حتى لو كان مبدعًا للشر، عن أن نؤمن به عبدًا؛ فالقوة أيًا ما كانت، أجدر به
من الوهن والعجز“ (175). وبيعيد نفس الفكرة مرة أخري قائلاً: ”فالحرية هي
الخاصية التي تلائم شخصية الله وليس الجبرية. وأنا كنت سأقدّر أكثر أنه أراد بنفسه
أن يخلق الشر، على أنه كان عاجزًا أن يمنع وجوده“ (178). فظيع ترتليان هنا..
طبعًا هو بيقول كده افتراضيًا.. لكنه لا يقر بهذا في كل الأحوال.
بعد كده ترتليان بيحاول يفند بعض الآيات
الكتابية اللي بيعتمد عليها هرموجنيس لإثبات أزلية المادة.. وأولها تك 1: 1 ”في
البدء خلق الله السماء والأرض“، وكان هروموجنيس بيقرأ الآية دي بمعنى أن الله خلق
من حوهر اسمه "البدء".. لكن ترتليان بيقول ببساطة ده ”مصطلح استهلالي“
وليس اسمًا لجوهر ما (182). وأن ربنا بيتكلم عن ترتيب في الخلق وليس عن جوهر خلق
منه.. وترتليان بيعمل تحليل لغوي بديع هنا وبيقول إن عبارة "في البدء"
في اليونانية هي in prinicipio
بمعنى "في البدء"، وليس ex
principio بمعنى "من البدء" (183).
ثم يقول ترتليان جملة بديعة موجهًا كلامه
لهرموجنيس: ”أنا قد فشلت أن أجد موضعًا قيل فيه إن كل الأشياء خُلقت من مادة
أولية. أين كُتب هذا؟ على هرموجنيس أن يخبرنا. وإن لم يكن هذا مكتوبًا في أي مكان،
فليرتعد من الويل الذي يطول كل مَن يضيف أو يحذف من الكلمة المكتوبة“ (186).
وأظن دي أبلغ جملة يترد بيها على اللي بيقولوا النهاردة إننا مش لازم نجد سند
كتابي لأي فكرة عقائدية متحججين بأننا مش سولا سكربتورا.. وإحنا صحيح مش سولا
سكربتورا.. ولكن مركزية الكتاب المقدس وعدم تعارضه مع التقليد هي الضامن لصحة
العقيدة.
هرموجنيس استخدم عبارة ”وكانت الأرض خربة
وخالية“ وقال إن "كانت" دي دليل على أزلية المادة، والأرض الخربة دي هي
المادة ذات نفسها اللي خلق منها كل شيء. ترتليان بيعمل تحليل لغوي بديع هنا برضو..
وبيقول أولاً "كانت" دي بتتقال على كل شيء موجود، وصيغة الفعل منها
"يكون" بتتقال على أي شيء في حالة التعريف، وكلمة "كانت"
بتتقال لما يكون الكلام في سرد. وبالتالي عبارة "وكانت الأرض" معناها
الأرض اللي خلقها ربنا.. وهي هي كلمة "الأرض" اللي في تك 1: 1. وبيقول
ترتليان إن موسى النبي قال زي ”بيان تمهيدي موجز، يعقبه عرض مفصل“ (190).
الأرض الخالية هي الأرض اللي في تك 1: 1 والدليل على كده حرف العطف واو في عبارة
"وكانت الأرض". و”لو أقصينا أداة العطف هذه، ستنفك الرابطة بشكل قد
يُفهم من قوله "وكانت الأرض خربة" أنها ربما تعني أرضًا أخرى“ (190).
وأضاف إن صفة الخواء ليست من صفات الأزلية ”لأن حالة الخواء عي من عوارض الابتداء“
(192).
في نهاية المقال بيستغل ترتليان تناقضات
هرموجنيس بأنه قال إن المادة قابلة للانقسام.. ويؤكد أن ده يتعارض مع صفة الأزلية.
إجمالاً في هذه المقالة بتظهر عبقرية ترتليان كالعادة في الجدل الفسلفي والمنطقي
والتحليلي واللغوي.. وهو عبقري ولوذعي فعلاً.. لذلك سقطة العبقري بتكون عظيمة بقدر
عبقريته!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق