ترجمة د جورج
ميشيل، مراجعة د جورج عوض
بمعرفة المركز
الأرثوذكسي، 143 صفحة (قطع صغير)
في البداية عاوز
أقول بالنسبة للقديس اثناسيوس، يسقط البعض في فخ أنه عاوز يطلع كل حاجة من كتابه
العمدة ”تجسد الكلمة“، واللي هو بلا شك كتاب مهم جدًا. لكن لازم نشوف الكتابات الأخرى؛
لأن كل كتاب له مناسبته وله غرضه من الكتابة. الآن بالنسبة لكتاب تفسير المزامير، يمكنك قراءة تدوينة أو
ريفيو عن الجزء الأول في الرابط التالي (https://christopraxy.blogspot.com/2018/09/blog-post_66.html). أما الجزء الثاني فلدي بعض الملاحظات استعرضها في الأسئلى
الأربعة التالية والإجابة عليها، كما يلي:
س1: هل تأثر ق
أثناسيوس بالفسلفة اليونانية وبالأخص الأفلاطونية؟
ج1: التأثر
بالفسلفة الأفلاطونية يظهر بوضوح في كتابه ضد الوثنيين، اقرأ ملخص للكتاب على نفس
المدونة، لكن في تفسير المزامير لاحظت مواضح التأثر بالفلسفة اليونانية كما يلي:
1- في تفسيره لمزمور 31 ”لا تصيروا كالخيل والبغل الذين لا فهم لهم“، يقول إن
الآية تشير إلى ضرورة ألا نسلم للأهواء غير العاقلة (ص 91). ونفس الشيء يتكرر في
تفسر مزمور 35 وآية ”الناس والبهائم تخلصهم يارب“، إذ يقول إن الناس هو اليهود،
والبهائم هم الأمم ”الذين لم يكن لديهم المعرفة الصحيحة“، والناس ”يحتفظون بصفة
العقلانية، أمّا البهائم فهم من ينحنون إلى الأرض ويرعون الأساس؟؟ الأرضي“ (في غموض
في ترجمة الأساس دي.. ص109). المهم هنا بتظهر أفكار أفلاطون عن القوى الشهوانية
والغضبية في الإنسان.. وإن الإنسان إذا استولت عليه القوى الشهوانية صار كالخنزير،
وإذا استولت عليه القوة الغضبية صار كالكلب. وبالتالي اذا استسلم وغُلب الإنسان من
هذه القوى يصبح اقرب إلى البهيمة منه إلى الإنسانية.
2- مرة أخرى في
تفسر مز 32 يفسّر القيثارة ذات العشرة أوتار بأنها الجسد، و5 حواس و5 أفعال للنفس،
”لكل حاسة فعل تقوم به“ وهذه بلا شك مصطلحات فلسفية أرسطية عن الحس والعضو الحاس. 3-
في تفسير مزمور 33 يفسر العظام بأنها قوى النفس. 4- وفي مزمور 32 يتحدث عن أن
أفكار الله هي الترتيب المتناغم للكون.. وبالطبع من المحتمل جدًا أن الأفكار هنا
هي الأفكار أو المثل الأفلاطونية التي كان لها وجود مستقل عند أفلاطون لكن التوجه
المسيحي هو أن تكون هذه الأفكار في عقل الله (اللوغوس) الذي يحفظ تناغم الكون.
5- في تفسير مز
36 يقول ق أثناسيوس إن تنعم البار هو ”عدم التأثر الذي للنفس“، وهو يربط
عدم التاثر هذا ”بالمعرفة الحقيقية للكائنات“ (ص114). نفس الفكرة ترد في
تفسير مز 38 حيث يقول إن الراحة من الله هي ”عدم تألم النفس“، و”تقترن
معها المعرفة الحقيقة للكائنات“. أغلب الظن إن الإشارة هنا هي لمفهوم ”الأباثيا“
وهو مصطلح فلسفي يوناني، وتعرض له الفلاسفة من أمثال شيشرون وسينيكا. في كتاب صدر
حديثًا بعنوان ”من النيل إلى الرون“ للأب مارك شريدن وفصل بعنوان ”الجدل
حول مفهوم الأباثيا“ نقرأ عن هذا المصطلح تفصيليًا وكيف صار محل جدل في الغرب،
بخلاف الشرق، إذ رأى بعض الآباء في الغرب أنه نوع من التشبه بالله وبمعنى العصمة
من الخطأ.. لكن المعنى المتوازن يعبر عن السلام الذهني الداخلي أو السكينة. هناك
حاشية في التفسير تفيد بأنه ليس معناه ”انعدام الشعور“، وبالفعل ق أغسطينوس أحد
الذين دافعوا عن المصطلح.. مستشهدًا باضطراب المسيح ذاته في بستان جثيماني..
6- في تفسير
مزمور 38 يظهر ق أثناسيوس الثنائية الأفلاطونية عن الصورة والمثال (الحقيقة) بشكل
واضح. فهو يتقرأ آية 6، 7 كالآتي: ”كل الأشياء باطلة.. لأنه بالصورة يسلك
الإنسان. بل باطلاً يضطرب“. ثم يعلق ويقول إنه إذا توافق الإنسان مع الصورة
وليس الحقيقة، فإنه قد أطلق حقًا على هذه الحياة بأنها باطلة.. ”لأننا لا نعيش
الحياة الحقيقية ولكن كما إلى صورة في خيالنا“. ويؤكد نفس المعنى مرة أخرى ”أي
أننا لا نحيا الآن الحياة الحقيقية، ولكن تلك الموجودة في صورة نتخيلها“ (ص 126،
127). الامثلة الستة السابقة تعبر بوضوح عن استخدام (تعميد أو مسحنة) ق أثناسيوس
لمصطلحات عصره الفلسفية.
س2: هل ينادي ق
أثناسيوس بالعقوبة والدينونة والغضب، أم بغير ذلك من الأفكار التي تقول إن الله لا
يعاقب ولا يدين ولا يغضب، وأن الجميع سيخلصون في النهاية أو ما يعرف بالأبوكتاستاسيس
أو الخلاص الشامل؟
ج2: على مزمور
17 يعلق على آية ”من نسمة ريح غضبك“ قائلاً ”الله لا يعاقب الخطاة في
الحال، لكنه يسبق بالتكلم عن غضبه وعن العقوبات“ (ص 24). وعلى مزمور 20 يقول
عن الخطاة أنهم في المجيء الثاني سيكونون في النار حينما يأتي للمجازة بحسب الأعمال
(ص45). وعلى آية ”يارب بغضبك تقلقهم وتأكلهم النار“ يقول إن ”الغضب يعلن
العقوبة التي ستُوجب عليهم بسبب تمردهم عليه“ (ص 46). وعن مز 24 يشرح ق
أثناسيوس إن الجمع بين الرحمة والعدل (الحق) ليس بدعة.. ويعلق على آية ”جميع
طرق الرب رحمة وحق“ بأن ”كل من يتغذى على الأقوال الإلهية، يتعلم منها أن
عمل الخلاص الذي للمخلص يسوع إلهنا سيقترن بالرحمة والحق... الرحمة لمن تابوا..
ومن عاشوا في التعدي ولم يتوبوا يفرض عليهم العقوبة المنصوص عليها بوجب الحق“
(ص 67).
ويؤكد نفس
المعنى في مز 32 ”إن الرب يجب أن يصنع الرحمة مع التائبين، ولكنه يحب العدل
أيضًا لغير التائبين“، وأن ”النبي يقدم الرحمة والعدل، اللذين من خلالهما
يقيس الله ويزن قيمة كل إنسان“ (ص 93). أمّا عن الجحيم ففي تعليقه على آية ”الرب
يضحك به“ أي الشرير، في مز 36، يقول إ ن الله يضحك لأنه يعرف أنه ”عيَّن
اليوم الذي فيه سيعطي لواحد الحياة الأبدية كمكافأة، وللآخر الجحيم الأبدي“ (ص
115).
س3: هل تأثر ق أثناسيوس
بأمير الشراح أوريجانوس؟
ج3: لاحظت أن ق
أثناسيوس يشير إلى ما يُسمى ب ”القوى العقابية“ التي يرسلها الله لكي تساعد
الأبرار (ص 101).. ويقصد الملائكة التي تنفذ عقوبات معينة على الأشرار.. وقد
استخدم أوريجانوس نفس التعبير (مش فاكر المرجع للأسف).
س4: هل وجدت
شيئًا يتقاطع مع مناهج التفسير الحديث؟
ج4: في تعليقه
على مز 17 ”تجعلني رأسًا للأمم“ يعلق ق أثناسيوس ويقول إننا نعرف أن داود
لم يملك على الأمم.. وبالتالي دي نبوة ”تكتمل في شخص من سيولد من داود بحسب
الجسد“ (ص 32). المفاجأة بالنسبة لي أن ق أثناسيوس يؤكد هذا التفسير بقوله أن
المسح لُقب بداود بحسب حزقيال (يوجد خطأ من المترجم لأنه قال حزقيا).. والشاهد
المشار إليه هو حزقيال 34: 23 ”واقيم عليها راعيًا.. فيرعاها عبدي داود“..
في المناهج التفسيرية الحديثة يسمون هذه الظاهرة ب ”الاستبدال البلاغي“ (antonomasia) بمعنى
استبدال اسم شخص بآخر، وقد ورد ذلك في 2مل 9: 31 عن ياهو الذي نادته إيزابل يا
زمري.. (للمزيد انظر ”جماليات النص الكتابي، عادل زكري، إصدار مدرسة الأسكندرية، ص
29، 30).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق