بالطبع
يُشاع أن الدين يعادي العلم، وربما تعرضت المسيحية لهذا الاتهام أكثر من الأديان
الأخرى. فما حقيقة هذا الأمر؟ في التدوينات التالية سأحاول أن أثبت أت السائد هو
مساندة المسيحية للعلم والعلماء، ربما مع بعض الاستثناءات القليلة التي يجب أن
نعترف بها. سنجد أن كثير من العقول البارزة في العلم عبر التاريخ لم يجدوا تعارضًا
بين إيمانهم المسيحي والتفكير العقلاني والعلمي، بل أنهم تقدموا نحو دراسة الكون
انطلاقًا من إيمانهم بأن الله خلق كونًا منظمًا يمكن دراسته وفهمه.
لا
أحد ينكر أن التقدم العلمي الهائل في المعرفة العلمية حدثت في أوربا أثناء الحقبة
المسيحية بقدر يفوق أي مكان آخر في أي حقبة أخرى. كان الفكر السائد أن العلم يخدم
الدين، وسنجد أن المسيحيين كانوا يدرسون الكون بنابع من إحساس عميق بمخافة الله،
ساعين إلى اكتشاف أسرار الله في خليقته. من المؤكد أنه حدثت هزة شديدة مع ظهور
اكتشافات علمية قلبت الدنيا، وغيرت منظور الناس للكون الذي نعيش فيه. من خلال
الأمثلة التالية سنرى أن المسيحية كديانة لم تكن تقمع العلم والبحث العلمي ولنبدا
ب:
1- العلامة ترتليان (190 م): آمن ترتليان أن العقل عطية من الله، ونفهم به
العالم المحيط بنا، فيقول: ”إن العقل هو من الله، باعتبار أنه لا شيء منحه
الله الخالق أو أعدَّه أو رسمه إلا بالعقل- ولا يوجد شيء يريد ألا نتعامل معه أو نفهمه بالعقل. لذلك فكل الجاهلين بالله، لابد بالضرورة أن يجهلوا أموره، لأن مكان
الكنوز لا يدخله الغرباء. ومن ثم عندما يبحرون في طريق الحياة بدون دفة (ردار)
العقل، فإنهم لا يعرفون كيف يَعرضون عن الإعصار المحدق بالعالم.“[1]
كما يحاول ترتليان إثبات وجود الله من خلال التأمل في
الطبيعة، فيقول في مُعرَض رده على ماركيون الذي قال أن خالق الكون هو إله شرير: ”لم
تكن ريشة موسى أول من سطَّر معرفة الخالق، فإن أغلبية البشر الذين لم يسمعوا بموسى
ولا بكتبه- عرفوا إله موسى، فإن الطبيعة هي المعلم والنفس هي التلميذ؛
فوردة برية واحدة، ولا أقول لؤلؤة من البحر الأحمر، وأية ريشة طائر، ولا اقول ريشة
طاووس، لا يمكن أن تكشف بأن خالقها شرير. قلِّد بيت النحل إذا استطعت، أو شبكة
العنكبوت. إذا أريتك وردة فهل تحتقر خالقها؟“[2]
الشيء الغريب أن تشارلز دارون- في القرن التاسع عشر-
يقول إن هناك شيئين يصيبانه بالغثيان: العين البشرية، وريشة الطاووس! لماذا تصيبه
ريشة الطاووس الجميلة بالغثيان؟ ببساطة لأنها تدمر نظرية التطور ومبدأ البقاء
للأصلح، وليس البقاء للأجمل، كما يعتقد دارون. بل أن الجمال ليس ميزة تطورية، وإنما تصبح
نكبة على حاملها لأنه ستجعله واضحًا أمام كل الحيوانات المفترسة. التماهي هو الذي
يمثل ميزة تطورية كأن يتبدل لون جلد أحد الحيوانات عندما يشعر بالحر أو بالخطر.
[1] Tertullian, On Repentance, ch. 1,
sections 2- 3, as cited in “Living
in the End Times,” by Salvoj Zizek, p. 106.
[2] William Barclay, The Lord Is My Shepherd, Westminster
John Knox Press, p. 106.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق