إصدار جديد لدكتور جورج عوض إبراهيم (60 صفحة)
الكتاب ده بيدافع في مجمله عن فكرة قالها بعض الباحثين
في الغرب أن الرسالة المسيحية قد تحولت في السياق اليوناني إلى فلسفة، وإنها أخذت
قوالب جاهزة من الثقافة اليونانية فأدى ذلك إلى تغيير أو تحويل عن رسالة الإنجيل
الأولى النقية. يؤكد د جورج إن الكنيسة والآباء استخدموا مصطلحات الفلسفة فقط،
الشكل فقط، كضرورة تاريخية، لأن ”التعبير عن الحق ليس واقعًا استاتيكيًا... بل
عملاً تعليميًا إبداعيًا“ (ص 57).
يبدأ د جورج بالحديث عن الفرق بين الفلسفة واللاهوت، وأجمل
شيء أنه قال إن الفلسفة هي ”أناكلبسي“ أي محاولة اكتشاف الله والخليقة، لكن
اللاهوت هو ”أبوكالبسي“ أي كشف وإعلان من الله أو من فوق (ص 13، 14). وفي
كلامه عن موقف آباء الكنيسة من الثقافة اليونانية شرح بوجود موقف الانتقاء، مثلما نصح
ق باسليوس الشباب أن يكونوا مثل النحل الذي يختار الرحيق ويرفض ما هو ضار (ص 20). كما
يذكر موقفين آخرين.
يلخص د جورج الاختلافات بين الفلسفة المسيحية والإعلان
المسيحي في النقاط التالية:
- في الفلسفة
اليونانية المادة/ العالم أزلي، وفي المسيحية كل شيء مخلوق ما عدا الله هو الأزلي
الوحيد.
- في الفلسفة
اليونانية العالم صادر عن الله بالضرورة، وبالتالي الوجود نفسه حتمي، لكن في
المسيحية الله خلق العالم بحرية، والوجود في حد ذاته عطية تقود إلى الشكر، كذلك ”إن
اليونانية القديمة تنهار أمام تحدي الحرية الوجودية التي تقدمها المسيحية بعقيدة
الخلق من العدم“ ( ص24).
- في الفلسفة
اليونانية في سيادة للجوهر على الأقنوم، العام على الخاص، النفس على الجسد، لكن في
المسيحية لا توجد هذه الأفضلية (ص 28).
- في الفلسفة اليونانية
التركيز في الإنسان عن النفس فقط، لكن في المسيحية الإنسان نفس وجسد، والجسد
هيقوم، وده أمر غريب على الثقافة اليونانية.
- في الفلسفة
اليونانية الله هو المحرك الذي لا يتحرك، المعشوق الذي لا يعشق أحدًا، لكن في
المسيحية في الشركة والحب، عكس الفلسفة اليونانية تمامًا (ص 29).
- في الفلسفة
اليونانية ”الكل ينبع من بداية أولى غير مشخصنة“، بينما المسيحية الله
الشخص هو علة كل شيء (ص 49).
- في الفلسفة
اليونانية النفس واحد في الجوهر مع الكائن الإلهي، لكن في المسيحية النفس مخلوقة
(ص 50).
- مفيش في
المسيحية الجواهر العقلية الخالدة والأخرى الحسية الفانية.. الثنائية السائدة في
الفلسفة اليونانية.
في الخاتمة يشرح د جورج أن الآباء استخدموا الفلسفة
اليونانية ليعبروا عن الحق في ثوب جديد، وبطريقة لا تبعد عن معايشة التقليد
الكنسي. الفيلسوف يفتخر بإتيان شيء جديد، لكن آباء الكنيسة يجعلوا الماضي مستمرًا
وحاضرًا متجددًا. وبالتالي كان لزامًا على الآباء أنهم يدرسوا المحيط الفكري
بتاعهم علشان يقدروا يعبروا عن الحق الإلهي لديهم، والجميل إن رسالة بطرس الثانية
بدأت هذا المنهج، بالإضافة إلى بولس في رسائله، ويوحنا الرسول في إنجيله.
بعض الآباء رأوا أن الفكر الفلسفي فيه بذور الحق الإلهي
(مثل يوستين وإكليمندس) وبعضهم احتقرا الفكر الهليني (زي ترتليان) لكنهم فسروا
وجود البذور دي بأنها مقتبسة من موسى والأنبياء. الأـولانيين خافوا إن المسيحيين
يفقدوا ”الجانب التثقيفي في شخصياتهم“ وبالتالي تفاعلهم مع محيطهم، واللي
ررفضوا الفلسفة خافوا إن المسيحيين يفقدوا ”تدبيرهم الكنسي الأصيل“ ( ص59).
ملاحظات بسيطة
يتطرق د جورج لبعض التحولات اللي حصلت بين الشرق والغرب.
على سبيل المثال إن المدرسيين قالوا بأن الله يُكشف بوسيلة العقل، وأن العقل هو
المسؤول عن الوصول إلى معرفة الله. لكني أرى أن المدرسيين ميزوا بين العقل وأهميته
وفي نفس الوقت قصوره.. ولم يبالغوا في قيمة العقل إلى الدرجة التي يلغون بها أهمية
الوحي أو الكشف. ومحتاجين نطيف عليهم نفس الأعذار اللي أعطناها للآب مع الثقافة
اليونانية.. ونقول إن المناخ وقت المدرسيين كان بيشهد نهضة أرسطية.. فتفاعل
اللاهوتين بما يقتضيه العصر.
ربما أختلف مع دكتور جورج أن الآباء قالوا إن خبرة
النشوة/ الهذيان (أو ما يسمة الغيبة أو الانخطاف ecstasy) هي شيء
مرفوض وشيطاني.. على العكس وظفها الآباء في سياق نسكي مثل مار اسحق السرياني، أو
حتى في إطار عام زي ق أغسطينوس اللي بيحكي أنه اختبر هذا الانخطاف بصحبة أمه
القديسة في كتاب الاعترافات. لكن الاختلاف هو كيفية حدوث هذه الغيبة والنتائج
المترتبة عليها. وقد عبر د جورج عن فارق جوهري أن الانخطاف الوثني كانت غايته هو
الاندماج أو لنقل الإفناء في الله فيلغى جوهر الإنسان في جوهر الله.. الأمر الذي
لا يوجد في المسيحية، إذ يظل الإنسان مغايرًا في جوهره عن الله (ص 53).
اكتر من رائع ربنا يعوضك 🙏🙏
ردحذف