للقديس غريغوريوس النيسي
منشورات المكتبة البولسية،
سلسلة النصوص المسيحية 2
دي رسالة كتبها ق غريغوريوس النيسي لراهب
كان سأله عن مثالية الفلسفة المسيحية، فصاغ إجابته حول سيرة أخته الكبرى ماكرينا-
اللي بيعتبرها امرأة فوق العادية، وأنها ”ارتفعت بفضل الفسلفة إلى أعلى قمم
الفضيلة الإنسانية“ (صفحة 32). ثم يحكي عن رؤية لأمها في وقت ولادتها، ثم
طفولتها المبكرة وتثقيفها على الكتاب المقدس وحكمة سليمان والمزامير، ثم شبابها
ووفاة خطيبها فجأة، ثم اعتبارها اتفاق والدها على هذه الخطبة بمثابة زيجة، وقرارها
بالتبتُّل بعد ذلك. يعلق النيسي على فكرة الزواج بقوله: ”الزواج في طبيعته واحد،
كما أن الولادة واحدة، والموت واحد“ (36). اعتبرت ماكرينا أن خطيبها مسافر مش
ميت، ولا يليق أن تخون زوجًا في سفر!
ثم يحكي عن دور ماكرينا في تهذيب ق باسليوس الكبير
أخوها، لأنه عاد من دراسته شديد الزهو بنفسه وبموهبته في الخطابة (38). ثم يحكي عن
أخوهما نوكريتوس الذي مات فجأة، وتحملها لأحزان متتابعة. تنتقل ماكرينا لحياة
ديرية مع عذارى أخريات وفي التأمل في الإلهيات والصلاة، ويعلق النيسي أنهم عاشوا ”على
تخوم الطبيعة البشرية والطبيعة اللاجسمانية“ (43). كيف؟ لأنهم من ناحية تحرروا
من الأهواء وصاروا بذلك فوق الكيان البشري، لكن وجودهم في الجسد يخليهم أدنى من
الملائكة.
ثم أخ آخر لمكرينا اسمه بطرس تولت هي تنشئته
منذ ولادته (44) ثم وفاة أمها، ثم وفاة أخوها ق باسليوس. ثم زيارة النيسي لها بعد
أن كبرت في لسن واشتد عليها المرض. ويحكي إزاي ”بقيت على انضباطها.. مستحلية
العناية الإلهية الكامنة في الشدائد.. متحدثة عن أمور تتعلق بالحياة الآتية، كما
لو كان الروح القدس يوحي إليها بما تقول“ (49).
يصف النيسي ماكرينا بأيوب البار الذي لم
يستطع الألم أن يكسرها.. وإنما في ألمها كانت بتتكلم عن الفلسفة والدين، ولماذا يوجد
الإنسان، ولماذا يوجد الموت (يوجد هذا في عمل آخر للنيسي يسمى ”عن النفس والقيامة“
لم يترجم بعد). لكن كلام ماكرينا كان كله رجاء وتفاؤل. وكانت دايمًا بتركز على
محبة ربنا في حياتها وحياة أسرتها، ونعمة ربنا اللي عملت فيها. وكانت كلما اقتربت
من الموت كانت كأنها تسارع لملاقاة الحبيب وكأنها تشاهد أكثر جمال العريس (56).
ثم يدون النيسي صلاتها قبل وفاتها كالتالي:
يارب.. أنت أبطلت من أجلنا الخوف من الموت.
يارب.. أنت جعلت نهاية الحياة على الأرض
بداية لحياة حقيقية.
يارب.. أنت تعيد ترابنا إلى التراب.. ثم
تحول ما فينا من موت وقبح إلى عدم موت وجمال.
يارب.. اجعل إلى جانبي ملاكًا.. يقودني.. في
أحضان القديسين.
اذكرني في ملكوتك.. لا تفصلني الهوة الرهيبة
عن مختاريك.. ولا يقف إبليس الحسود حاجزًا في طريقي.
(58).
لما أراد النيسي الاهتمام بجثمانها قالت
إحدى العذارى أن ماكرينا أوصت بأن ”الحياة الطاهرة هي زينة حياةتها وكفن موتها“
ولم تهتم بشيء يخص زينة الجسد. ثم أخذوا الجثمان إلى الكنيسة للصلاة ثم الدفن
بوقار. أثناء التكفين قالت إحدى العذارى أن ماكرينا شفيت بمعجزة من ورم خطير
بالثدي.. وبعد الوفاة أخبر أحد الجنود أن الله أجرى معجزة بواسطة ماكرينا وشفيت
طفلته من مرض خطير في عينها. هذا الجندي يسمي الدير ب ”منتجع الفضيلة“، ويسمي
الخلوة في الدير ”خلوة الحياة الفلسفية“، حتى المائدة سماها ”المائدة الفلسفية“،
والطعام ب ”غنى الفلسفة“.
يختم النيسي كلامه بالحديث عن المعجزات التي
قيلت عن ماكرينا، ويعلق قائلاً: ”لكن الذين غرقوا في الماديات لا يقبلونها،
أولئك الذين جهلوا أن توزيع المواهب يجري وفقًا للإيمان، فيكون لضعيفي الإيمان
ضعيفًا، ويكون بعكس ذلك غزيرًا للذين يجعلون للإيمان مجالاً أوسع في نفوسهم“
(71). ثم يقول تعليق لافت للغاية.. لكن ”لكي لا ينال الضرر ضعيفي الإيمان
والذين لا يؤمنون بمواهب الله أحجمتُ عن تعداد أهم معجزاتها، مقدرًا ما ذكرته
كافيًا لختام تاريخ ماكرينا“ (71). يعني لما لقى الناس ضعيفة في الإيمان اقتصد
في سرد المعجزات!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق