الأحد، 25 نوفمبر 2018

قراءة في كتاب ”سر الفداء“



بيانات الكتاب
سر الفداء حسب الإنجيل والآباء
للمطران باسليوس أسقف بروكسل وبلجيكا للروس الأرثوذكس
مقال صغيرة ترجمها د. نصحي عبد الشهيد وعلق عليها
إصدار بيت التكريس
عدد الصفحات (40 فقط)

يؤكد الكاتب أن سر الفداء يفوق الفهم ويفوق التعبير.. يعني سيظل عقلنا قاصر على استيعابه بالكامل.. وبيقول إن النظرة القضائية هي محاولة عقلانية لتصور عمل المسيح الخلاصي.. (نقظة مهمة هنا.. لاحظت بعض المراجع بتفصل بين نظرية أنسلم وبتسميها الاستيفاء Satisfaction theory، عن نظرية البدلية العقابية Penal Substitution، لكن من الواضح أن في تقاطع ما بينهم، بدليل أن الكاتب ودكتور نصحي بيعتبرهم شيء واحد. أحد المراجع دي مثلاً كتاب اسمه (The Cross and Salvation doctrine) لواحد اسمه (Bruce Demarest) سنتعرض له في هذه التدوينة.
نيجي لتعليقات د. نصحي على النظرة العقابية كالآتي:
1-              أنها زي ما قولنا محاولة عقلانية لشرح سر يفوق الأفهام
2-            نظرية من جانب واحد فقط .. يعني مش بتضح حب الله في الحسبان، ومتأثرة بثقافة الإقطاع.
3-              بتظهر كأت في صراع بين عدل الله ورحمته.
4-              بتصور الصليب أداة عقاب وتعذيب وليس أداة غلبة ونصرة.
5-              بتهمل دور القيامة في خلاصنا.
6-              بتشوف التبرير بمعنى البراءة القانونية (وليس بمعنى إصلاح العلاقة بين الله والإنسان)
7-              بتشوف أن القوة المحركة للفداء هي حل مشكلة عدل الله وكرامته وليس محبة الله بالأساس.
8-              تركز على عدل الله الآب.. لكن المفروض انه يكون عدل الثالوث كله.
9-              بتصور إن الله الآب غاضب ويهدأ بالدماء والذبائح.
أهم تعليق لدكتور نصحي هو الآتي (ص 11): "من الخطأ أن نعتبر المفهوم القضائي للفداء مفهوم خاطئ كلية" طب إيه مشكلته "أنه مفهوم ناقص ويتضمن عناصر غريبة عن الكتاب المقدس والتسليم الرسولي". وبالتالي ده بيأكد فكرة أني ممكن آخد بعض العناصر الصحيحة من البدلية العقابية.. ما يؤكد هذا تحليلي لرأي أحد الدارسين البروستانت نفسهم وكيف يفهمون هذه النظرية فيما يلي:
شرح أحد الدارسين البروستانت للبدلية العقابية
بروس ديمارست[1] بيشرح نظرية أنسلم كالمعتاد بأن الخطية جرحت  أو أهانت كرامة الله.. وأن ذبيحة الصليب بتعمل نوع من استفياء العدل الإلهي. لكن ديمارست بيشرح نظرية البدلية العقابية بشكل مستقل ومختلف.. وكل اللي بيقوله عنها، ودي نقطة مهمة: أن الخطية بتنتهك القانون الإلهي وليس كرامة الله، مما أدى إلى عقوبة الموت العادلة. لكن المسيح كبديل أو كنائب عنا (من هنا جت التسمية البدلية) بحياته الكاملة أكمل الناموس، وبموته تحمل العقوبة العادلة لخطايانا إحنا. بطريقة اخري، على الصليب أخذ المسيح مكاننا وتحمل العقوبة التي تستحقها خطايانا، وبالتالي وفىّ مطالب العدل الإلهي للناموس، وبالتالي ألغى حالة الغضب واللعنة اللي كانت علينا بسبب خطايانا.
بين قوسين ممكن نجيب آيات من الكتاب المقدس بتقول بوضوح إننا كنا في حالة غضب:
-       رومية 1: 8 "لأن غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ"
-       رومية 4: 5 "لأن النَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَبًا، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ"
-       رومية 5: 19 "فبالأوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ"!
بروس ديمارست بيجيب اقتباسات آبائية يخدم بيها كلامه عن البدلية العقابية كالتالي: من الرسالة إلى ديوجينتوس:
أظهر (الآب) طول أناة عظيمة جدًا واحتملنا.. بذل ابنه الوحيد كفدية لأجلنا، القدوس من أجل العصاة، والذي بلا لوم من أجل الأشرار، والبار من أجل الآثمة، وغير الفاسد من أجل غير الفاسدين، وغير المائت من أجل المائتين. فأي شيء آخر كان يمكن تبريرنا نحن الأشرار وعديمي التقوى إلا بشخص ابن الله الوحيد؟ ما أجمل هذه المبادلة!“[2] هذه المبادلة هي سبب التسمية بالبدلية.
ثم يستشهد بأقوال آبائية أخرى تؤكد فكرة هذه المبادلة.. لاحظ أن الكلام مختلف في نظرية الاستيفاء لأنسلم. هنا بيأكد على محبة الله وطول أناته ومحبته بدل التركيز في نظرية أنسلم على كرامة الله. لو جينا لنقطة العقوبة سنجد أن بروس ديماريست بيستشهد بكيرلس الأورشليمي هذه المرة..
لأننا كنا أعداء لله بسبب الخطية، وكان الله قد حكم بموت الخاطئ. لذلك كان أمرٌ من اثنين ضروريًا، إما أن الله في حقه يهلك كل البشر، أو في عطفه ومحبته يبطل الحكم. لكن انظر حكمة الله: لقد صان حقه في الحكم، وأظهر عطفه ومحبته. أخذ يسوع خطايانا "في جسده على الخشبه" لكيما بعد أن نموت عن الخطية بموته نحيا للبر[3]
هنا نرى العنصر الثاني في النظرية وهو العقوبة أو الحكم.. ودي نتيجة مباشرة لخطية الإنسان وتعديه على الوصية.. عايز تعتبرها نتيجة طبيعية للخطية.. ماشي .. في النهاية في عقوبة. بيستشهد ديمارست بأقوال أخرى للقديس اثناسيوس وغيره..
تعليق ختامي:
الشيء اللي نخرج بيه من التدوينة دي.. أن قبل ما تزعل من أخوك لأنه بيعتقد في البدلية العقابية اسأله الأول ماذا يعني بالبدلية العقابية.. لأن عنصر المبادلة وعنصر العقوبة (الحكم) في حد ذاتهما لا يمكن أننا نتغاضى عنهما.. لأنهم واضحين في عشرات الآيات الكتابية ومئات الاقتباسات الآبائية.. لكن لو الكلام عن كرامة الله المجروحة وكأن المشكلة عند ربنا مش عندنا.. يبقى نرفض الفكرة دي.
عمل الصليب والفداء عمل يفوق الأفهام.. ولا يقتصر على النظرية الشفائية فقط.. اللي كلنا بنحبها ومقتنعين بيها وكانت النوتة الموسيقية السائدة عند الآباء الشرقيين والسكندريين بالأخص.. وإن كان الغربيون قالوا برضه بالنظرية الشفائية.. انظر ماذا يقول أغسطينوس في شرحه لرسالة يوحنا الأولى:[4]


وبالتالي حتى الغربيين لم يتكلموا عن النظرة القضائية فقط.. ما أجمل المقطع السابق من أغسطينوس عن الحب الذي يشفي ويجمِّل.. وبالتالي ليس النظرة الشفائية فقط.. ولا القضائية فقط.. تفسر كل جوانب عمل الفداء.. التخيير بين إمَّا / أو (either/ or) مش صح في أمور عقائدية كبيرة ومتسعة. ثانيًا: واضح أن في خلط بين نظرية أنسلم والبدلية العقابية.. حتى وإن كان في مساحة مشتركة بينهم. لكني قادر أني أخد عناصر جيدة من البدلية العقابية ومش قادر أخد عناصر جيدة من نظرية أنسلم.. لا نقول أبدًا في هذا الفهم لما أسميه انا (mild form) من البدلية العقابية.. لا أقول أبدًا أن الآب يصب جام غضبه على الابن أو يعاقب الابن أو يتلذذ بتعذبيه بشكل سادي، أو ان الابن مدان بأي شيء.. أو حتى أن الآب يهدأ بالذبائح.. كل هذه الأفكار أرفضها تمامًا.. فبلاش نعمل من الافكار الخاطئة دي فزاعة لرفض العناصر الجيدة في النظرية.. وكما قال د. نصحي مشكلة النظرية أنها بتركز على جانب واحد وأنها ناقصة. ولكنها ليست خاطئة بشكل كامل.





[1] Bruce Demarest, The Cross and Salvation, Cross Way Books, p. 147- 202.
[2]  الرسالة إلى ديوجنيتوس، ترجمة بولين تدري، مراجعة د نصحي عبد الشهيد، ص 25.
[3]  ق كيرلس الأورشليمي، العظات (لطالبي العماد)، سلسلة اقدم النصوص المسيحية، العظة 13، صفحة 237.
[4]  أغسطينوس، شرح رسالة يوحنا الاولى، الخوري يوحنا الحلو، دار المشرق، صفحة 147.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق