السبت، 17 نوفمبر 2018

الرمزية التيبولوجية والتاريخ- جان دانيلو






الفصل العاشر من كتاب (The Lord of History)[1] للبروفسور جان دانيالو الأستاذ الجامعي بالجامعة الكاثوليكية بباريس.. هذا الفصل في منتهى الأهمية؛ إذ يتكلم عن أن الرموز تحتل أهمية في  التفكير الديني والحياة الدينية. المشكلة اليوم أن الناس تظن أن الرموز تناسب الشعر أكثر من المعرفة العلمية التي تعتمد على الحقائق. يرى جان دانيلو أن اللغة الرمزية في الفكر الديني لا تحسب كمرحلة غير متطورة من الفكر الإنساني بل على العكس هي نوعية صحيحة من التفكير الديني.

من بداية سفر التكوين وقوة روح الله الخلاقة بترفرف على شكل طائر.. وبيقول يمكن ده اللي خلى العهد الجديد ينزل الروح القدس على شكل حمامة.. كإعلان عن باكورة الخليقة الجديدة!! وفي سفر الرؤيا مفيش شمس لأن الحمل هو نورها.. ومفيش بحر لأن البحر رمز لمملكة الموت ومسكن للتنين.. نفس الشيء في الليتورجيا، وفي طقس المعمودية، الذي يستدعي رمزية الماء. بدراسة الثقافات وجدوا رموزًا مشتركة مثل الشمس كرمز للقوة الخلاقة. كذلك ربط المياه بالموت اعتقاد شرقي قديم.. وربط المياه بالدمار مرتبط بالأديان البابلية. 

دراسة الأديان المقارنة فسرت ده كنوع من التأثير المتبادل، لكن كان الشرح الأفضل هو افتراض وجود "تقليد بدائي موحد".. لم يُحفظ بشكل كامل. وكان في فرضية تانية أدق أن وجود مجموعة مشتركة من الرموز هي دليل على وجود توازي في العمليات العقلية البشرية. ومن خلال جهود واحد اسمه "مريتشا إلياده" جمّع بعض الأفكار المشتركة لبعض الرموز.مثل: السما (السمو الإلهي)، الماء (الموت او الخصوبة)، القمر (الموت والحياة)، وهكذا. من ناحية أخرى بيستشهد بعالم النفس كارل يونج الذي قال إن الرموز هي سمة من السمات النفسية للإنسان. وهي محاولة للعقل البشري في استخلاص المعنى المعقول داخل الواقع المادي حوله. فهي أي الرموز ليست شيئًا على هوى الشخص.

هناك حقيقة موضوعية في الرمزية الدينية مؤسسة على طبيعة الأشياء نفسها. لكن عقولنا تفرط في البحث في العلاقات السببية فقط. الرمزية تهدف إلى اكتشاف التماثلات بين العالم المرئي وغير المرئي.. فهي طريقة أصلية لفهم الإلهيات.
هذه الرمزية الدينية عبارة عن إعلان عن الله من خلال المخلوقات.. (القوة في الأعاصير- الوفرة في المطر، الثبات في النجوم). هذا ما يسمى بالإعلان الطبيعي، الذي انحرفت عن فهمه ما يُسمى بعبادة الطبيعة. كان المفروض يوصلوا لنوع من المعرفة عن الله من خلال الطبيعة لكنهم انحرفوا إلى عبادة الخليقة، وتحول الأمر إلى وثنية.  
في تشابهات بين الأصحاحات الأولى في سفر التكوين والأساطير البابلية والكنعانية.. لكن قصة التكوين كُتبت لتبطل الفهم الميثولوجي وتنسبه مرة أخرى لله.. يعني لتصحيح مسار منحرف.. لكن الهدف المحدد من سفر التكوين هو أنه يشهد لأعمال الله في التاريخ.. وده تحول كبير جدًا في الفكر الديني عمومًا.. لأنه بيقول مش بس ربنا بيُستعلن من خلال انتظام الدورات الكونية.. لكن من خلال أحداث تاريخية مفردة بتعتمد على بعضها البعض.. ومن ثم أصبح معنى الخلق نفسه مختلف.. وأصبح حدث أولاني في سلسلة متجانسة من الأعمال الإلهية في مسار التاريخ.
من خلال تكشُّف خطة الله، ظهرت تماثلات بين أحداث معينة.. يعني الطوفان والمعمودية والدينونة الأخيرة.. أصبح ليها نمط واحد.. في كل حالة بمستويات مختلفة، في دينونة إلهية لعالم شرير، وفي رحمة إلهية يُستبقى بسببها الإنسان ليكون بداية لخليقة جديدة.
وبذلك نشأ نوعية جديدة من الرمزية شكلت سمة أساسية للكتاب المقدس.. الفارق الأساسي فيها هو التاريخية.. (100 خط تحت الكلمة دي).. ليه؟ لأنها بتشير إلى العلاقة بين أحداث مختلفة تنتمي للتاريخ المقدس. دي اسمها الرمزية التيبولوجية. مثلاً: آدم رمز للمسيح (رو 5: 14)، المعمودية تحقيق لرمز هو الطوفان (1بط 3: 21). بالنسبة لتفسير الكتاب المقدس.. المعنى المجازي مؤسس على الوحدة البنائية لخطة الله.. نفس السمات الإلهية بتُستعلن من خلال طبقات متتابعة من التاريخ.. والتفسير التيبولوجي للأحداث لا يتجاهل ولا يطمس بأي درجة هذه الأحداث من حيث وجودها المتفرد الخاص.. وإنما يوفر إطار مرجعية لتناسقها الملموس. وهو أساس الدفاعيات، لأن الرمز التيبولوجي له صفة نبوية، وبالتالي يمكن أن يشكل دليلاً على صحة ديانتنا.
يحدث خلط بين الرمزية التيبولوجية ورمزيات تانية (هنتكلم عنها) .. لكن مثلما يؤكد توما الأكويني: الرمز التيبولوجي مرتبط بمعنى التاريخ.. وأنها اسخاتولوجية بطبعها.. ليها علاقة بالأيام الأخيرة.. والمسيح بتجسده افتتح هذه الأيام الأخيرة وإن كانت ستصل إلى كمالها في المجيء الثاني.
وبالتالي فإن الرمزية التيبولوجية هي جزء أساسي وأصيل في العقيدة المسيحية.. والرسل وكتبة العهد الجديد استخدموها.. وفي التفاسير الآبائية الصحيحة.. لكن هذا الاستخدام الرمزي، أو بالأحرى النوع التاريخي للرمزية، يختلف اختلافا جذريًا عن الرمزية الاستعارية (الأليجورية) التي استخدمها فيلون وبعض آباء الكنيسة (أوريجانوس وتليمذه النجيب غريغوريوس النيسي).. لأن الأليجورية هي انتكاسة لرمزية الديانات الطبيعة لأنها تخلو من العنصر التاريخي.
المهم أن جان دانيلو بيقول إن إعلان الله في التاريخ لا يتعارض مع العالم الطبيعي للخليقة المنظورة. مفيش تعارض، وإنما طور متقدم من خطة الله. لأن اليهودية أو المسيحية لا تلغي إعلان الله من خلال الطبيعة. وبيقول إن الخطر الأكبر هو قراءة النص الكتابي والبحث عن رمزية تخلو من العنصر التاريخي، ودي الأليجورية الخاصة بفيلون السكندري، وتبقى رمزية زي رمزية الديانات الطبيعية. وبكده تكون انتكاسة وخطوة إلى الوراء.

في النهاية بيقول: لابد لرمزية الطبيعة أن تتجاوز الأسطورة، والرمزية التاريخية لابد أن تتجاوز الرمزية الطبيعية (وده إحدى تطبيقات الإعلان المتدرج)؛ لأن الله عُرف أولاً من خلال الطبيعة، ثم أعلن ذاته من خلال أحداث تاريخية متتابعة.



[1] Jean Danielou, The Lord of History, part 1, ch. 10, p. 83-92.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق